خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ ٱللَّهِ قَالُوۤاْ أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوۤاْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً
١٤١
-النساء

أضواء البيان في تفسير القرآن

قوله تعالى: { وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً }.
في معنى هذه الآية أوجه للعلماء. منها: أن المعنى: ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين يوم القيامة سبيلاً، وهذا مروي عن علي بن أبي طالب، وابن عباس - رضي الله عنهم - ويشهد له قوله في أول الآية: { فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ } [النساء: 141] الآية. وهو ظاهر.
قال ابن عطية: وبه قال جميع أهل التأويل كما نقله عنه القرطبي وضعفه ابن العربي زاعماً أن آخر الآية غير مردود إلى أولها. ومنها: أن المراد بأنه لا يجعل لهم على المؤمنين سبيلاً يمحوا به دولة المسلمين ويستأصلهم ويستبيح بيضتهم كما ثبت في صحيح مسلم وغيره عنه صلى الله عليه وسلم من حديث ثوبان أنه قال: "وإني سألت ربي ألا يهلك أمتي بسنة بعامة وألا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم وإن الله قد أعطاني لأمتي ذلك حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً، ويسبي بعضهم بعضا" ويدل لهذا الوجه آيات كثيرة كقوله:
{ { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [غافر: 51] الآية. وقوله: { وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ } [الروم: 47]، وقوله: { { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً } [النور: 55] إلى غير ذلك من الآيات.
ومنها: أن المعنى أنه لا يجعل لهم عليهم سبيلاً إلا أن يتواصوا بالبالطل ولا يتناهوا عن المنكر، ويتقاعدوا عن التوبة فيكون تسليط العدو عليهم من قبلهم كما قال تعالى:
{ { وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } [الشورى: 30].
قال ابن العربي: وهذا نفيس جداً وهو راجع في المعنى إلى الأول. لأنهم منصورون لو أطاعوا، والبلية جاءتهم من قبل أنفسهم في الأمرين، ومنها: أنه لا يجعل لهم عليهم سبيلاً شرعاً، فإن وجد فهو بخلاف الشرع، ومنها: أن المراد بالسبيل الحجة أي: ولن يجعل لهم عليهم حجة، ويبينه قوله تعالى:
{ وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِٱلْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً } [الفرقان: 33] وأخذ بعض العلماء من هذه الآية الكريمة منع دوام ملك الكافر للعبد المسلم، والعلم عند الله تعالى.