خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً
٥٩
-النساء

أضواء البيان في تفسير القرآن

قوله تعالى: { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ } الآية.
أمر الله في هذه الآية الكريمة، بأن كل شيء تنازع فيه الناس من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. لأنه تعالى قال:
{ مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } [النساء: 80] وأوضح هذا المأمور به هنا بقوله: { وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللَّهِ } [الشورى: 10] الآية، ويفهم من هذه الآية الكريمة أنه لا يجوز التحاكم إلى غير كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وقد أوضح تعالى هذا المفهوم موبخاً للمتحاكمين إلى غير كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم مبيناً أن الشيطان أضلهم ضلالاً بعيداً عن الحق بقوله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوۤاْ إِلَى ٱلطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوۤاْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً } [النساء: 60] وأشار إلى أنه لا يؤمن أحد حتى يكفر بالطاغوت بقوله: { { فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ } [البقرة: 256].
ومفهوم الشرط أن من لم يكفر بالطاغوت لم يستمسك بالعروة الوثقى وهو كذلك، ومن لم يستمسك بالعروة الوثقى فهو بمعزل عن الإيمان. لأن الإيمان بالله هو العروة الوثقى، والإيمان بالطاغوت يستحيل اجتماعه مع الإيمان بالله. لأن الكفر بالطاغوت شرط في الإيمان بالله أو ركن منه، كما هو صريح قوله:
{ { فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ } [البقرة: 265] الآية.
تنبيه: استدل منكرو القياس بهذه الآية الكريمة، أعني قوله تعالى: { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِِ } الآية، على بطلان القياس قالوا: لأنه تعالى أوجب الرد إلى خصوص الكتاب والسنة دون القياس، وأجاب الجمهور بأنه لا دليل لهم في الآية. لأن إلحاق غير المنصوص بالمنصوص لوجود معنى النص فيه لا يخرج عن الرد إلى الكتاب والسنة، بل قال بعضهم: الآية متضمنة لجميع الأدلة الشرعية، فالمراد بإطاعة الله العمل بالكتاب وبإطاعة الرسول العمل بالسنة، وبالرد إليهما القياس. لأن رد المختلف فيه غير المعلوم من النص إلى المنصوص عليه، إنما يكون بالتمثيل والبناء عليه، وليس القياس شيئاً وراء ذلك.
وقد علم من قوله تعالى: { فَإِن تَنَازَعْتُمْ } [النساء: 59] أنه عند عدم النزاع يعمل بالمتفق عليه، وهو الإجماع قاله الألوسي في تفسيره.