خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ
٦
-الشورى

أضواء البيان في تفسير القرآن

قوله تعالى في هذه الآية الكريمة، { ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } أي أشركوا معه شركاء يعبدونهم من دونه، كما أوضح تعالى ذلك في قوله: { { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَـفَّارٌ } [الزمر: 3] وقوله تعالى: { { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَاتِ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [البقرة: 257] وقوله تعالى: { { إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } [الأعراف: 30] وقوله تعالى: { { إِنَّمَا ذٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ } [آل عمران: 175] أي يخوفكم أولياءه. وقوله تعالى: { { فَقَاتِلُوۤاْ أَوْلِيَاءَ ٱلشَّيْطَانِ } [النساء: 76] الآية.
وقد وبخهم تعالى على اتخاذهم الشيطان وذريته أولياء من دونه تعالى في قوله:
{ { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً } [الكهف: 50].
وقد أمر جل وعلا باتباع هذا القرآن العظيم، ناهياً عن اتباع الأولياء المتخذين من دونه تعالى، في أول سورة الأعراف في قوله تعالى
{ { ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } [الأعراف: 3].
وقد علمت من الآيات المذكورة أن أولياء الكفار الذين اتخذوهم وعبدوهم من دون الله نوعان:
الأول منهما: الشياطين، ومعنى عبادتهم للشيطان طاعتهم له فيما يزين لهم، من الكفر والمعاصي، فشركهم به شرك طاعة، والآيات الدالة على عبادتهم للشياطين بالمعنى المذكور كثيرة كقوله تعالى:
{ { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ } [يس: 60] الآية. وقوله تعالى عن إبراهيم { { يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَانَ } [مريم: 44] الآية. وقوله تعالى: { { إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً } [النساء: 117] أي وما يعبدون إلا شيطاناً مريدا. وقوله تعالى { { قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ } [سبأ: 41] وقوله تعالى: { { إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَٱلَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ } [النحل: 100] وقوله تعالى { { وَإِنَّ ٱلشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } [الأنعام: 121] إلى غير ذلك من الآيات.
والنوع الثاني: هو الأوثان، كما بين ذلك تعالى بقوله:
{ { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [الزمر:3] الآية.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: { ٱللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِم }.
أي رقيب عليهم حافظ عليهم كل ما يعملونه من الكفر والمعاصي، وفي أوله اتخاذهم الأولياء، يعبدونهم من دون الله.
وفي الآية تهديد عظيم لكل مشرك.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: { وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ }.
أي لست يا محمد، بموكل عليهم تهدي من شئت هدايته منهم، بل إنما أنت نذير فحسب، وقد بلغت ونصحت.
والوكيل عليهم هو الله الذي يهدي من يشاء منهم ويضل من يشاء كما قال تعالى:
{ { إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٌ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيل } [هود: 12]. وقال تعالى: { { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَجْعَلُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } [يونس: 99ـ100] وقال تعالى: { { وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي ٱلأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي ٱلسَّمَآءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } [الأنعام: 35] والآيات بمثل ذلك كثيرة.
وبما ذكرنا تعلم أن التحقيق في قوله تعالى: { وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ }، وما جرى مجراه من الآيات ليس منسوخاً بآية السيف والعلم عند الله تعالى.