خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ
١٢
لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ
١٣
-الزخرف

أضواء البيان في تفسير القرآن

قوله تعالى: { وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا }.
الأزواج الأصناف، والزوج تطلقه العرب على الصنف.
وقد بين تعالى أن الأزواج المذكورة هنا تشمل أصناف النبات وبني آدم وما لا يعلمه إلا الله.
قال تعالى:
{ { سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُون } َ } [يس: 36].
وقال تعالى:
{ { وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ } [طه: 53] وقال تعالى: { { فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } [الحج: 5] أي من كل صنف حسن من أصناف النبات.
وقال تعالى:
{ { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } [لقمان: 10]. ومن إطلاق الأزواج على الأصناف في القرآن قوله تعالى: { { وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } [ص: 58]. وقوله تعالى: { { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُم } [طه: 131].
وقد قدمنا طرفاً من ذلك في سورة الصافات في الكلام على قوله تعالى
{ { ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُم } [الصافات: 22] الآية.
قوله تعالى: { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ }.
قد قدمنا الآيات الموضحة له بكثرة في سورة المؤمن، في الكلام على قوله تعالى
{ { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَامَ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا } [غافر: 79] الآية. وضمير المفرد المذكر الغائب في قوله: { لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ }، وقوله: { إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ } راجع إلى لفظ ما في قوله: { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ }.
قوله تعالى: { وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ }.
يعني جل وعلا أنه جعل لبني آدم ما يركبونه من الفلك التي هي السفن، ومن الأنعام ليستووا أي يرتفعوا معتدلين على ظهوره ثم يذكروا في قلوبهم نعمة ربهم عليهم بتلك المركوبات ثم يقولوا بألسنتهم مع تفهم معنى ما يقولون { سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِين } [الزخرف: 13].
وقوله: "سبحان" قد قدمنا في أول سورة بني إسرائيل معناه، بإيضاح وأنه يدل على تنزيه الله جل وعلا أكمل التنزيه وأتمه عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله والإشارة في قوله { هَـٰذَا } راجعة إلى لفظ { مَا } من قوله: { مَا تَرْكَبُونَ } وجمع الظهور نظراً إلى معنى { مَا }، لأن معناها عام شامل لكل ما تشمله صلتها ولفظها مفرد، فالجمع في الآية باعتبار معناها، والإفراد باعتبار لفظها.
وقوله: { ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا } أي الذي ذلل لنا هذا الذي هو ما نركبه من الأنعام والسفن لأن الأنعام لو لم يذللها الله لهم لما قدروا عليها ولا يخفى أن الجمل أقوى من الرجل، وكذلك البحر لو لم يذللـه لهم ويسخر لهم إجراء السفن فيه لما قدروا على شيء من ذلك.
وقوله تعالى: { وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } أي مطيقين. والعرب تقول: أقرن الرجل للأمر وأقرنه إذا كان مطيقاً له كفؤاً للقيام به من قولهم: أقرنت الدابة للدابة، بمعنى أنك إذا قرنتهما في حبل قدرت على مقاومتها، ولم تكن أضعف منها، فتجرها لأن الضعيف إذا لز في القرن أي الحبل، مع القوي جره ولم يقدر على مقاومته، كما قال جرير:

وابن اللبون إذا ما لز في قرن لم يستطع صولة البزل القناعيس

وهذا المعنى معروف في كلام العرب، ومنه قول عمرو بن معد يكرب وقد أنشده قطرب لهذا المعنى:

لقد علم القبائل ما عقيل لنا في النائبات بمقرنينا

وقوله ابن هرمة:

وأقرنت ما حملتني ولقلما يطاق احتمال الصدياد عدو الهجر

وقول الآخر:

ركبتم صعبتي أشراً وحيفاً ولستم للصعاب بمقرنينا

وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن ما ذكر من السفن والأنعام لو لم يذللـه الله لهم لما أقرنوا له ولما أطاقوه جاء مبيناً في آيات أخر. قال تعالى في ركوب الفلك: { { وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } [يس: 41-42]. وقال تعالى: { { وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّا } [النحل: 14] الآية. وقال تعالى: { { ٱللَّهُ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ ٱلْبَحْرَ لِتَجْرِيَ ٱلْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } [الجاثية: 12] الآية. وقال تعالى: { { وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلأَنْهَارَ } [إبراهيم: 32] الآية. وقال تعالى: { { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاس } [البقرة: 164] الآية. وقال تعالى: { { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلأَرْضِ وَٱلْفُلْكَ تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } [الحج: 65] الآية، والآيات بمثل ذلك كثيرة.
وقال تعالى في تسخير الأنعام:
{ { وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ } [يس: 72] وقال تعالى: { { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ كَذٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ } [الحج: 36-37] إلى غير ذلك من الآيات.