خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحاً تَرْضَٰهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ
١٥
-الأحقاف

أضواء البيان في تفسير القرآن

قوله تعالى: { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ }.
قرأ هذا الحرف، نافع وابن كثير وابن عامر وأبو عمرو { حُسْنا } بضم الحاء وسكون السين، وكذلك هو في مصاحفهم.
وقرأه عاصم وحمزة والكسائي: إحساناً بهمزة مكسورة وإسكان الحاء وألف بعد السين.
وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذه الآية في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى:
{ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [الإسراء: 23] وقال أبو حيان في البحر:
قيل ضمن { ووصينا } معنى ألزمنا فيتعدى لاثنين فانتصب حسناً وإحساناً على المفعول الثاني لوصينا.
وقيل: التقدير إيصاء ذا حسن أو ذا إحسان ويجوز أن يكون حسناً بمعنى إحسان فيكون مفعولاً له، أي ووصيناه بها لإحساننا إليهما فيكون الإحسان من الله تعالى.
وقيل: النصب على المصدر على تضمين معنى أحسنا بالوصية للإنسان بوالديه إحساناً ا هـ منه، وكلها له وجه.
قوله تعالى: { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً }.
قرأ هذا الحرف نافع وابن كثير وأبو عمرو وهشام عن ابن عامر: { كَرها } بفتح الكاف في الموضعين.
وقرأه عاصم وحمزة والكسائي، وابن ذكوان، عن ابن عامر: { كُرهاً } بضم الكاف في الموضعين.
وهما لغتان كالضُّعف والضَّعف.
ومعنى حملته { كرها } أنها في حال حملها به تلاقي مشقة شديدة.
ومن المعلوم ما تلاقيه الحامل، من المشقة والضعف، إذا أثقلت وكبر الجنين في بطنها.
ومعنى وضعته كرهاً: أنها في حالة وضع الولد، تلاقي من ألم الطلق، وكربه مشقة شديدة، كما هو معلوم.
وهذه المشاق العظيمة التي تلاقيها الأم في حمل الولد ووضعه، لا شك أنها يعظم حقها بها، ويتحتم برها، والإحسان إليها كما لا يخفى.
وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من المشقة التي تعانيها الحامل، ودلت عليه آية أخرى، وهي قوله تعالى في لقمان:
{ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ } [لقمان: 14] أي تهن به وهناً على وهن أي ضعفاً على ضعف، لأن الحمل كلما تزايد وعظم في بطنها، ازدادت ضعفاً على ضعف.
وقوله في آية الأحقاف هذه كرهاً في الموضعين مصدر منكر وهو حال أي حملته ذات كره ووضعته ذات كره، وإتيان المصدر المنكر حالاً كثير كما أشار له في الخلاصة بقوله:

ومصدر منكر حالا يقع بكثرة كبغتة زيد طلع

وقال بعضهم: كرهاً في الموضعين نعت لمصدر، أي حملته حملاً ذا كره، ووضعته وضعاً ذا كره، والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: { وحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً }.
هذه الآية الكريمة، ليس فيها بانفرادها تعرض لبيان أقل مدة الحمل، ولكنها بضميمة بعض الآيات الأخرى إليها يعلم أقل أمد الحمل، لأن هذه الآية الكريمة، من سورة الأحقاف، صرحت بأن أمد الحمل والفصال معاً، ثلاثون شهراً.
وقوله تعالى في لقمان:
{ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ } [لقمان: 14]. وقوله في البقرة { وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } [البقرة: 223] يبين أن أمد الفصال عامان وهما أربعة وعشرون شهراً، فإذا طرحتها من الثلاثين بقيت ستة أشهر، فتعين كونها أمداً للحمل، وهي أقله، ولا خلاف في ذلك بين العلماء.
ودلالة هذه الآيات على أن ستة أشهر أمد للحمل هي المعروفة عند علماء الأصول بدلالة الإشارة.
وقد أوضحنا الكلام عليها، في مباحث الحج، في سورة الحج، في مبحث أقوال أهل العلم، في حكم المبيت بمزدلفة، وأشرنا لهذا النوع، من البيان في ترجمة هذا الكتاب المبارك.
قوله تعالى: { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً }.
قد قدمنا الكلام عليه في سورة الأنعام في الكلام على قوله تعالى: { حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّه }، وفي ترجمة هذا الكتاب المبارك.