خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَشَآقُّواْ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَىٰ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ
٣٢
-محمد

أضواء البيان في تفسير القرآن

الظاهر أن صدوا في هذه الآية متعدية، والمفعول محذوف، أي كفروا وصدوا غيرهم عن سبيل الله فهم ضالون مضلون.
وقد قدمنا في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى
{ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم } [النحل: 97]. الآية. أن التأسيس مقدم على التوكيد كما هو مقرر في الأصول.
وصدوا هنا، إن قدرت لازمة فمعنى الصدود الكفر، فتكون كالتوكيد لقوله كفروا.
وإن قدرت متعدية كان ذلك تأسيساً.
لأن قوله: كفروا يدل على كفرهم في أنفسهم.
وقوله: وصدوا على أنه متعد يدل على أنهم حملوا غيرهم على الكفر وصدوه عن الحق، وهذا أرجح مما قبله.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: { وَشَآقُّواْ ٱلرَّسُول } أي خالفوا محمداً صلى الله عليه وسلم مخالفة شديدة.
وقد دلت هذه الآية الكريمة على أمرين أحدهما أن الذين كفروا وصدوا غيرهم عن الحق وخالفوه صلى الله عليه وسلم لن يضروا الله بكفرهم شيئاً، لأنه غني لذاته الغنى المطلق.
والثاني أنهم إنما يضرون بذلك أنفسهم، لأن ذلك الكفر سبب لإحباط أعمالهم، كما قال تعالى: { وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ }.
وهذان الأمران اللذان تضمنتهما هذه الآية الكريمة جاءا موضحين في آيات من كتاب الله.
فمن الآيات الدالة على الأول الذي هو غنى الله عن خلقه، وعدم تضرره بمعصيتهم، قوله تعالى:
{ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ } [آل عمران: 97].
وقوله تعالى:
{ إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ } [الزمر: 7].
وقوله تعالى:
{ وَقَالَ مُوسَىۤ إِن تَكْفُرُوۤاْ أَنتُمْ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ } [إبراهيم: 8].
وقوله تعالى:
{ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَات وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [يونس: 68].
وقوله تعالى:
{ فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ وَّٱسْتَغْنَىٰ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } [التغابن: 6].
وقوله تعالى:
{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } [فاطر: 15] إلى غير ذلك من الآيات.
ومن الآيات الدالة على الثاني وهو إحباط أعمالهم بالكفر أي إبطالها به قوله تعالى:
{ وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } [الفرقان: 23].
وقوله تعالى:
{ مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ } [إبراهيم: 18] الآية.
وقوله تعالى:
{ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً } [النور: 39].
وقوله تعالى:
{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ ٱلنَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [هود: 16] إلى غير ذلك من الآيات.