خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ
٦٦
-المائدة

أضواء البيان في تفسير القرآن

قوله تعالى: { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم }.
ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن أهل الكتاب لو أطاعوا الله، وأقاموا كتابهم باتباعه، والعمل بما فيه، ليسّر الله لهم الأرزاق وأرسل عليهم المطر، وأخرج لهم ثمرات الأرض.
وبين في مواضع أُخَر أن ذلك ليس خاصّاً بهم، كقوله عن نوح وقومه
{ فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارا } [نوح: 10-12] وقوله عن هود وقومه: { وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُم } [هود: 52] الآية وقوله عن نبينا عليه الصلاة والسلام وقومه { { وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } [هود: 3] وقوله تعالى { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } [النحل: 97] الآية. على أحد الأقوال وقوله: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ آمَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْض } [الأعراف: 96] الآية. وقوله: { { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِب } [الطلاق: 2-3] وقوله: { { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ } [طه: 132] ومفهوم الآية أن معصية الله تعالى، سبب لنقيض ما يستجلب بطاعته، وقد أشار تعالى إلى ذلك بقوله: { { ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاس } [الروم: 41] الآية، ونحوها من الآيات.
قوله تعالى: { مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ }.
ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة، أن أهل الكتاب قسمان:
طائفة منهم مُقتصدة في عملها، وكثير مِنهم سيئ العمل، وقسّم هذه الأمة إلى ثلاثة أقسام في قوله:
{ { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ } [فاطر: 32] ووعد الجميع بالجنة بقوله: { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } [فاطر: 33].
وذكر القسم الرابع: وهو الكفّار منها بقوله
{ { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ } [فاطر: 36] الآية.
وأظهر الأقوال في المقتصِد، والسابِق، والظالم، أن المقتصد هو من امتثل الأمر، واجتنب النهي، ولم يزِد على ذلك، وأن السابق بالخيرات هو من فعل ذلك، وزاد بالتقرب إلى الله بالنوافل، والتورُّع عن بعض الجائزات، خوفاً من أن يكون سبباً لغيره، وأن الظالم هو المذكور في قوله:
{ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } [التوبة: 102] الآية، والعلم عند الله تعالى.