خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ
١٨
-يونس

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

وهذه الآية الكريمة معطوفة على قوله - تعالى - قبل ذلك { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا... } عطف القصة على القصة.
والعبادة: الطاعة البالغة حد النهاية فى الخضوع والتعظيم.
أى: وهؤلاء الذين لا يرجون لقاءنا، ويطلبون قرآنا غير هذا القرآن أو تبديله، بلغ من جهلهم وسفههم أنهم يعبدون من دون الله أصناما لا تضرهم ولا تنفعهم، لأنها جمادات لا قدرة لها على ذلك.
والمقصود بوصفها بأنها لا تضر ولا تنفع: بطلان عبادتها، لأن من شأن المعبود أن يملك الضر والنفع، وأن يكون مثيبا على الطاعة ومعاقبا على المعصية.
وقوله: { مِن دُونِ ٱللَّهِ } جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من فاعل { يعبدون } أى: يعبدونها متجاوزين الله وتاركين طاعته.
و { ما } موصولة أو نكرة موصوفة. والمراد بها الأصنام التى عبدوها من دون الله.
قال الجمل: "ونفى الضر والنفع هنا عن الأصنام باعتبار الذات، وإثباتها لها فى سورة الحج فى قوله
{ يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ } باعتبار السبب، فلا يرد كيف نفى عن الأصنام الضر والنفع، وأثبتهما لها فى سورة الحج".
وقوله: { وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } حكاية لأقوالهم السخيفة عندما يُدعَوْن إلى عبادة الله وحده.
والشفعاء: جمع شفيع، وهو من يشفع لغيره فى دفع ضر أو جلب نفع.
أى: أنهم يدينون بالعبادة لأصنام لا تضرهم إن تركوا عبادتها، ولا تنفعهم إن عبدوها، فإذا ما طلب منهم أن يجعلوا عبادتهم لله وحده قالوا: إننا نعبد هذه الأصنام لتكون شفيعة لنا عند الله فى دنيانا، بأن نتوسل إليه بها فى إصلاح معاشنا، وفى آخرتنا إن كان هناك ثواب وعقاب يوم القيامة.
وهنا يأمر الله - تعالى - نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يرد عليهم بما يخرس ألسنتهم فيقول: { قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فى ٱلسَّمَاوَاتِ وَلاَ فى ٱلأَرْضِ }.
أى: قل يا محمد لهؤلاء الجاهلين: إن الله - تعالى - لا يخفى عليه شىء فى هذا الكون ولا يعلم أن هناك من يشفع عنده مما تزعمون شفاعته. فهل تعملون أنتم ما لا يعلمه، وهل تخبرونه بما لا يعلم له وجوداً فى السماوات ولا فى الأرض؟!!
فالمقصود بهذه الجملة الكريمة التهكم بهم، والسخرية بعقولهم وأفكارهم، ونفى أن تكون الأوثان شفعاء عند الله بأبلغ وجه.
والعائد فى قوله { بِمَا لاَ يَعْلَمُ } محذوف. والتقدير بما لا يعلمه.
وقوله { فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } حال من العائد المحذوف، وهو مؤكد للنفى، لأن ما لا يوجد فيهما فهو منتف عادة.
قال صاحب الكشاف: "فإن قلت كيف: أنبأوا الله بذلك؟ قلت: هو تهكم بهم، وبما ادعوه من المحال الذى هو شفاعة الأصنام، وإعلام بأن الذى أنبأوا به باطل. فكأنهم يخبرونه بشىء لا يتعلق علمه به، كما يخبر الرجل بما لا يعلمه.
وقوله { فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } تأكيد لنفيه، لأن ما لم يوجد فيهما فهو منتف معدوم".
وقوله: { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ } عن كل شريك، وعما قاله هؤلاء الجاهلون من أن الأصنام شفعاء عنده.
وبذلك تكون الآية الكريمة قد وبخت المشركين على عبادتهم لغير الله وعلى جهالاتهم وتقولهم على الله بغير علم.
ثم بين - سبحانه - أن عبادة الناس لغيره - تعالى - إنما حدثت بعد أن اختلفوا واتبعوا الهوى. فقال:
{ وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَٱخْتَلَفُواْ... }