خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِي أَنْزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَآءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ
١٠
يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ ٱلزَّرْعَ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
١١
-النحل

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

والمراد بالسماء: السحاب المرتفع فى طبقات الجو، حيث ينزل منه الماء بقدرة الله - تعالى - والشراب: اسم للمشروب الذى يشربه الإِنسان والحيوان وغيرهما.
والشجر: يطلق على النبات ذى الساق الصلبة على سبيل الحقيقة، ويطلق على العشب والكلأ على سبيل المجاز، وهو المراد هنا، لأنه هو الذى ترعاه الأنعام.
والضمير فى قوله - سبحانه - { ومنه شجر } يعود على الماء، باعتباره السبب فى وجود الشجر.
قال الآلوسى: قوله - سبحانه - { ومنه شجر } أى: نبات مطلقا سواء أكان له ساق أم لا، كما نقل عن الزجاج، وهو حقيقة فى الأول، ومن استعماله فى الثانى قول الراجز:

نعلفها اللحم إذا عز الشجر والخيل فى إطعامها اللحم ضرر

فإنه قيل: الشجر فيه بمعنى الكلأ، لأنه الذى يعلف ..".
وقوله: { تسيمون } من الإسامة، بمعنى إطلاق الإِبل وغيرها للسوم، أى الرعى. يقال: أسام فلان إبله للرعى إسامة، إذا أخرجها إلى المرعى. وسامت هى تسوم سوما، إذا رعت حيث شاءت وأصل السوم: الإبعاد فى المرعى.
والمعنى: هو - سبحانه - وحده وليس غيره: الذى غمركم بنعمه، حيث أنزل لكم من السحاب ماء كثيرا، هذا الماء الكثير المنزل بقدر معلوم، منه تأخذون ما تشربونه وما تنتفعون فى حوائجكم الأخرى، وبسببه تخرج المراعى التى ترعون فيها دوابكم.
فالآية الكريمة دليل آخر من الأدلة على وحدانية الله - تعالى - وقدرته، وبديع خلقه، حيث أنزل - سبحانه - المطر من السماء، ولو شاء لأمسكه، أو لأنزله غير صالح للشراب.
قال - تعالى -:
{ { أَفَرَأَيْتُمُ ٱلْمَآءَ ٱلَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ ٱلْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ } }. وأتى - سبحانه - بلفظ "فى" المفيدة للظرفية، فى قوله - تعالى - { فيه تسيمون }؛ للإِشارة إلى أن الرعى فى هذا الشجر، قد يكون عن طريق أكل الدواب منه، وقد يكون عن طريق أكل ما تحته من الأعشاب.
وقوله - سبحانه -: { يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ ٱلزَّرْعَ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ .. } تفصيل لأهم منافع الماء.
أى: يخرج لكم من الأرض، بسبب الماء الذى أنزله عليها من السماء { الزرع } الذى هو أصل أغذيتكم، وعماد معاشكم، كالقمح والشعير وغيرهما { والزيتون } الذى تستعملونه إداما فى أغذيتكم { والنخيل والأعناب } اللذين فيهما الكثير من الفوائد، ومن التلذذ عند أكل ثمارها.
وأخرج لكم - أيضا - بسبب هذا الماء { مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ } التى تشتهونها وتنتفعون بها، والتى تختلف فى أنواعها، وفى مذاقها، وفى روائحها، وفى ألوانها، مع أن الماء الذى سقيت به واحد، والأرض التى نبتت فيها متجاورة.
ولا شك أن فى هذا الانبات بتلك الطريقة، أكبر دليل على قدرة الله - تعالى -. لأنه لا يقدر على ذلك سواء - سبحانه -.
وأسند - سبحانه - الإِنبات إليه فقال: { يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ ... }؛ لأنه الفاعل الحقيقى لهذا الإِنبات والإِخراج للزروع من الأرض: أما غيره - سبحانه - فيلقى الحب فى الأرض، ويرجو الثمار والإِنبات منه - عز وجل -.
قال - تعالى:
{ { أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } }. وقال - سبحانه -: { { وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } }. وقال - عز وجل -: { { أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ } }. وختم - سبحانه - الآية بقوله { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } للحض على التفكر والتأمل فى عظيم قدرته - سبحانه - حتى يصل المتأمل إلى إخلاص العبادة له - عز وجل.
أى: إن فى ذلك المذكور، من إنزال الماء من السماء، وإنبات الزروع والثمار بسببه، لآية باهرة، ودلالة عظيمة، على وحدانية الله - تعالى - وقدرته، لقوم يحسنون التفكير، ويجيدون التأمل فى خلقه، أما الذين لا يحسنون التفكير والتأمل، فهم كالأنعام بل هم أضل.
قال الآلوسى ما ملخصه: وقال - سبحانه -: { لقوم يتفكرون } لأن من تفكر فى أن الحبة والنواة، تقع فى الأرض، وتصل إليها نداوة تنفذ فيها، فينشق أسفلها، فيخرج منه عروق تنبسط فى أعماق الأرض، وينشق أعلاها وإن كانت منتكسة فى الوقوع ...
من تفكر فى ذلك علم أن من هذه آثاره وأفعاله، لا يمكن أن يشبهه غيره فى صفة من صفات الكمال، فضلا عن أن يشاركه فى أخص صفاته التى هى الألوهية واستحقاق العبادة.
وحيث كان الاستدلال بما ذكر، مشتملا على أمر خفى محتاج إلى التفكر والتدبر لمن له نظر سديد، ختم - سبحانه - الآية بالتفكر.
ثم ساق - سبحانه - دلائل أخرى مما خلق لنفع الإِنسان، تدل على وحدانيته وقدرته، فقال - تعالى: { وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلْنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ... }.