خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً
٩
وأَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً
١٠
-الإسراء

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

قال الفخر الرازى: اعلم أنه - تعالى - لما شرح ما فعله فى حق عباده المخلصين، وهو الإِسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وإيتاء الكتاب لموسى - عليه السلام -، وما فعله فى حق العصاة والمتمردين وهو تسليط أنواع البلايا عليهم، كان ذلك تنبيها على أن طاعة الله توجب كل خير وكرامة، ومعصيته توجب كل بلية وغرامة، لا جرم أثنى - سبحانه - على القرآن فقال: { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ }.
والفعل { يهدى } مأخوذ من الهداية، ومعناها: الإِرشاد والدلالة بلطف إلى ما يوصل إلى البغية. والمفعول محذوف. أى: يهدى الناس.
وقوله - سبحانه - { لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } صفة لموصوف محذوف، أى يهدى الناس إلى الطريقة أو الملة التى هى أقوم.
قال صاحب الكشاف: { لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } أى: للحالة التى هى أقوم الحالات وأسدها، أو للملة أو للطريقة. وأينما قدرت لم تجد مع الإِثبات ذوق البلاغة الذى تجده مع الحذف، لما فى إيهام الموصوف بحذفه من فخامة تفقد مع إيضاحه.
والمعنى: إن هذا القرآن الكريم، الذى أنزله الله - تعالى - عليك يا محمد صلى الله عليه وسلم، يرشد الناس ويدلهم ويهديهم - فى جميع شئونهم الدينية والدنيوية - إلى الملة التى هى أقوم الملل وأعدلها، وهى ملة الإِسلام. فمنهم من يستجيب لهذه الهداية فيظفر بالسعادة، ومنهم من يعرض عنها فيبوء بالشقاء.
قال صاحب الظلال ما ملخصه: إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم فى عالم الضمير والشعور، بالعقيدة الواضحة التى لا تعقيد فيها ولا غموض، والتى تطلق الروح من أثقال الوهم والخرافة، وتطلق الطاقات البشرية الصالحة للعمل والبناء، وتربط بين نواميس الكون الطبيعية، ونواميس الفطرة البشرية فى تناسق واتساق.
ويهدى للتى هى أقوم، فى التنسيق بين ظاهر الإِنسان وباطنه، وبين مشاعره وسلوكه وبين عقيدته وعمله.
ويهدى للتى هى أقوم فى عالم العبادة، بالموازنة بين التكاليف والطاقة، فلا تشق التكاليف على النفس حتى تمل، ولا تسهل حتى تشيع فى النفس الرخاوة والاستهتار، ولا تتجاوز القصد والاعتدال وحدود الاحتمال.
ويهدى للتى هى أقوم، فى علاقات الناس بعضهم ببعض: أفرادا وأزواجا وحكومات وشعوبا، ودولا وأجناسا.
ويهدى للتى هى أقوم فى نظام الحكم، ونظام المال، ونظام الاجتماع، ونظام التعامل ..
وقوله - سبحانه -: { وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً } صفة ثانية من صفات القرآن الكريم.
أى: أن هذا القرآن بجانب هدايته للتى هى أقوم، فهو - أيضا - يبشر المؤمنين الذين يعملون الأعمال الصالحات بأن لهم أجرا كبيرا من خالقهم - عز وجل -: أجرا كبيرا لا يعلم مقداره إلا مسديه ومانحه، وهو الله رب العالمين.
وقوله - سبحانه -: { وأَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } بيان لسوء عاقبة الذين لا يستجيبون لهداية القرآن الكريم، وهو معطوف على قوله - تعالى -: { أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً }.
أى: أن هذا القرآن يبشر المؤمنين بالأجر الكبير، ويبشر - على سبيل التهكم - الذين لا يؤمنون بالآخرة وما فيها من حساب وثواب وعقاب بالعذاب الأليم.
قال الآلوسى ما ملخصه: وتخصيص الآخرة بالذكر من بين سائر ما لم يؤمن به الكفرة، لكونها أعظم ما أمروا بالإِيمان به، ولمراعاة التناسب بين أعمالهم وجزائها، الذى أنبأ عنه قوله - تعالى -: { أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } وهو عذاب جهنم. أى: أعددنا وهيأنا لهم، فيما كفروا به وأنكروا وجوده من الآخرة عذابا أليما.
والآية معطوفة على قوله { أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً } فيكون إعداد العذاب الأليم للذين لا يؤمنون بالآخرة مبشرا به كثبوت الأجر الكبير للمؤمنين، ومصيبة العدو سرور يبشر به، فكأنه قيل: يبشر المؤمنين بثوابهم وعقاب أعدائهم ...
ثم بين - سبحانه - بعض الأحوال التى قد يقدم الإِنسان فيها على طلب ما يضره بسبب عجلته واندفاعه فقال - تعالى -: { وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً }.