خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً
١١٠
وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي ٱلْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ ٱلذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً
١١١
-الإسراء

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

ذكر المفسرون فى سبب نزول قوله - تعالى -: { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ .. } ذكروا روايات منها: ما أخرجه ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس قال: "وصلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ذات يوم فدعا الله - تعالى - فقال: يا الله، يا رحمن، فقال المشركون: انظروا إلى هذا الصابئ ينهانا أن ندعو إلهين وهو يدعو إلهين فنزلت
"
. ومعنى: ادعوا، سموا، و{ أو } للتخيير. و{ أيا } اسم شرط جازم منصوب على المفعولية بقوله: { ادعوا } والمضاف إليه محذوف، أى: أى الاسمين. و{ تدعواْ } مجزوم على أنه فعل الشرط لأيّاً، وجملة { فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } واقعة موقع جواب الشرط، و{ ما } مزيدة للتأكيد. والحسنى: مؤنث الأحسن الذى هو أفعل تفضيل.
والمعنى: قل يا محمد للناس: سموا المعبود بحق بلفظ الله أو بلفظ الرحمن بأى واحد منهما سميتموه فقد أصبتم، فإنه - تعالى - له الأسماء الأحسن من كل ما سواه، وقال - سبحانه -: { فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } للمبالغة فى كمال أسمائه - تعالى - وللدلالة على أنه ما دامت أسماؤه كلها حسنة، فلفظ الله ولفظ الرحمن كذلك، كل واحد منهما حسن.
وقد ذكر الجلالان عند تفسيرهما لهذه الآية، أسماء الله الحسنى، فارجع إليها إن شئت.
وقوله - سبحانه -: { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً } تعليم من الله - تعالى - لنبيه كيفية أفضل طرق القراءة فى الصلاة.
فالمراد بالصلاة هنا: القراءة فيها. والجهر بها: رفع الصوت أثناءها، والمخافتة بها: خفضه بحيث لا يسمع. يقال: خفت الرجل بصوته إذا لم يرفعه، والكلام على حذف مضاف.
والمعنى: ولا تجهر يا محمد فى قراءتك خلال الصلاة، حتى لا يسمعها المشركون فيسبوا القرآن، ولا تخافت بها، حتى لا يسمعها من يكون خلفك، بل أسلك فى ذلك طريقا وسطا بين الجهر والمخافتة.
ومما يدل على أن المراد بالصلاة هنا: القراءة فيها، ما رواه الشيخان وغيرهما عن ابن عباس.
قال: نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة، فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمع ذلك المشركون، سبوا القرآن، ومن أنزله ومن جاء به، فأمره الله بالتوسط.
وقيل: المراد بالصلاة هنا: الدعاء. أى: لا ترفع صوتك وأنت تدعو الله، ولا تخافت به. وقد روى ذلك عن عائشة، فقد أخرج الشيخان عنها أنها نزلت فى الدعاء.
ويبدو لنا أن التوجيهات التى بالآية الكريمة تتسع للقولين، أى: أن على المسلم أن يكون متوسطاً فى رفع صوته بالقراءة فى الصلاة، وفى رفع صوته حال دعائه.
ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بهذه الآية: { وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ... }.
أى: وقل - أيها الرسول الكريم -: الحمد الكامل، والثناء الجميل، لله - تعالى - وحده، الذى لم يتخذ ولداً؛ لأنه هو الغنى، كما قال - تعالى -:
{ { قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ .. } }. ولم يكن له، - سبحانه - { شَرِيكٌ فِي ٱلْمُلْكِ } بل هو المالك لكل شىء ليس له فى هذا الكون من يزاحمه أو يشاركه فى ملكه أو فى عبادته. كما قال - تعالى -: { { قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً } }. وكما قال - عز وجل -: { { مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } }. { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ ٱلذُّلِّ } أى: ولم يكن له - سبحانه - ناصر ينصره من ذل أصابه أو نزل به، لأنه - عز وجل - هو أقوى الأقوياء، وقاهر الجبابرة، ومذل الطغاة، { { أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } }. { وكبره تكبيرا } أى: وعظمه تعظيماً تاماً كاملاً، يليق بجلاله عز وجل.
قال الإِمام ابن كثير: عن قتادة أنه قال: ذكر لنا أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يعلم أهله كبيرهم وصغيرهم هذه الآية. { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ... }.
ثم قال ابن كثير: وقد جاء فى حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماها آية العز.