خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً
٢٣
وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً
٢٤
رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً
٢٥
-الإسراء

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

وبعد أن ذكر - سبحانه - الأساس فى قبول الأعمال، وهو إخلاص العبادة له - عزَّ وجل - وحده، أتبع ذلك بتأكيد هذا الأساس بما هو من شرائط الإِيمان الحق وشعائره فقال - تعالى -: { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً .. }.
قال القرطبى ما ملخصه: { قضى } أى: أمر وألزم وأوجب ...
والقضاء يستعمل فى اللغة على وجوه، فالقضاء بمعنى الأمر، كما فى هذه الآية والقضاء بمعنى الخلق كقوله
{ { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ } يعنى خلقهن، والقضاء بمعنى الحكم، كقوله - تعالى -: { { فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ } يعنى: احكم ما أنت تحكم. والقضاء بمعنى الفراغ من الشئ، كقوله { { قُضِيَ ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ } أى فرغ منه.
والقضاء بمعنى الارادة. كقوله - تعالى -:
{ { إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ .. } }. والمعنى: لقد نهى ربك عن الاشراك به نهيا قاطعا، وأمر أمرا محكما لا يحتمل النسخ، بأن لا تعبدوا أحدا سواه، إذ هو الخالق لكل شئ، والقادر على كل شئ، وغيره مخلوق وعاجز عن فعل شئ إلا بإذنه - سبحانه -.
فالجملة الكريمة أمر لازم لإِخلاص العبادة لله، بعد النهى عن الإِشراك به فى قوله - تعالى -:
{ { لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ .. } }. وقد جاء هذا الأمر بلفظ { قضى } زيادة فى التأكيد، لأن هذا اللفظ هنا يفيد الوجوب القطعى الذى لا رجعة فيه، كما أن اشتمال الجملة الكريمة على النفى والاستثناء - وهما أعلا مراتب القصر - يزيد هذا الأمر تأكيدا وتوثيقا.
ثم أتبع - سبحانه - الأمر بوحدانيته، بالأمر بالإِحسان إلى الوالدين فقال: { وبالوالدين إحسانا }.
أى: وقضى - أيضا - بأن تحسنوا - أيها المخاطبون - إلى الوالدين إحسانا كاملا لا يشوبه سوء أو مكروه.
وقد جاء الأمر بالاحسان إلى الوالدين عقب الأمر بوجوب إخلاص العبادة لله، فى آيات كثيرة. منها قوله - تعالى -:
{ { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً .. } }. وقوله - تعالى -: { { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً .. } }. ولعل السر فى ذلك هو الإِشعار للمخاطبين بأهمية هذا الأمر المقتضى لوجوب الإِحسان إلى الوالدين، حيث إنهما هما السبب المباشر لوجود الإِنسان فى هذه الحياة، وهما اللذان لقيا ما لقيا من متاعب من أجل راحة أولادهما، فيجب أن يقابل ما فعلاه بالشكر والاعتراف بالجميل.
قال بعض العلماء: وقد جاءت هذه الوصية بأسلوب الأمر بالواجب المطلوب، وهو الإِحسان إلى الوالدين، ولم تذكر بأسلوب النهى سموا بالإِنسان عن أن تظن به الإِساءة إلى الوالدين، وكأن الاساءة إليهما، ليس من شأنها أن تقع منه حتى يحتاج إلى النهى عنها ...
ثم فصل - سبحانه - مظاهر هذا الإِحسان فقال: { إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً .. }.
و{ إما } حرف مركب من "إن" الشرطية، ومن "ما" المزيدة عليها للتأكيد، وقوله: { أحدهما } فاعل يبلغن. وقرأ حمزة والكسائى { إما يبلغان } فيكون قوله { أحدهما } بدل من ألف الاثنين فى { يبلغان }.
وقوله { فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ } جواب الشرط.
قال الآلوسى: و{ أف } اسم صوت ينبئ عن التضجر، أو اسم فعل مضارع هو أتضجر ..
وفيه نحو من أربعين لغة. والوارد من ذلك فى القراءات سبع ثلاث متواترة، وأربعة شاذة.
فقرأ نافع وحفص بالكسر والتنوين، وهو للتنكير: فالمعنى: فلا تقل أتضجر تضجراً ما.
وقرأ ابن كثير وابن عامر بالفتح دون تنوين، والباقون بالكسر بدون تنوين ...
وقوله { ولا تنهرهما } من النهر بمعنى الزجر، يقال نهر فلان فلانا إذا زجره بغلظة.
والمعنى: كن - أيها المخاطب - محسنا إحسانا تاما بأبويك.
فإذا ما بلغ { عندك } أى: فى رعايتك وكفالتك { أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا } سن الكبر والضعف { فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ } أى: قولا يدل على التضجر منهما والاستثقال لأى تصرف من تصرفاتهما.
قال البيضاوى: والنهى عن ذلك يدل على المنع من سائر أنواع الايذاء قياسا بطريق الأولى، وقيل عرفا كقولك: فلان لا يملك النقير والقطمير - فإن هذا القول يدل على أنه لا يملك شيئا قليلا أو كثيرا.
وقوله { ولا تنهرهما } أى: ولا تزجرهما عما يتعاطيانه من الأفعال التى لا تعجبك.
فالمراد من النهى الأول: المنع من إظهار التضجر منهما مطلقا.
والمراد من النهى الثانى: المنع من إظهار المخالفة لهما على سبيل الرد والتكذيب والتغليظ فى القول.
والتعبير بقوله: { عندك } يشير إلى أن الوالدين قد صارا فى كنف الابن وتحت رعايته، بعد أن بلغ أشده واستوى، وبعد أن أصبح مسئولا عنهما، بعد أن كانا هما مسئولين عنه.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما معنى { عندك } قلت هو أن يكبرا ويعجزا، وكانا كلاًّ على ولدهما لا كافل لهما غيره، فهما عنده فى بيته وكنفه، وذلك أشق عليه وأشد احتمالا وصبرا، وربما تولى منهما ما كانا يتوليانه منه فى حالة الطفولة، فهو مأمور بأن يستعمل معهما وطاءة الخلق، ولين الجانب، حتى لا يقول لهما إذا أضجره ما يستقذر منهما، أو يستثقل من مؤنهما: أف، فضلا عما يزيد عليه.
والتقييد بحالة الكبر فى قوله - تعالى -: { إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ } جرى مجرى الغالب، إذ أنهما يحتاجان إلى الرعاية فى حالة الكبر، أكثر من احتياجهما إلى ذلك فى حالة قوتهما وشبابهما، وإلا فالإِحسان إليهما، والعناية بشأنهما. واجب على الأبناء سواء كان الآباء فى سن الكبر أم فى سن الشباب أم فى غيرهما.
وقوله - سبحانه -: { وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } أمر بالكلام الطيب معهما. بعد النهى عن الكلام الذى يدل على الضجر والقلق من فعلهما.
أى: وقل لهما بدل التأفيف والزجر، قولا كريما حسنا، يقتضيه حسن الأدب معهما، والاحترام لهما والعطف عليهما.
وقوله: { وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ .. } زيادة فى تبجيلهما والتلطف معهما فى القول والفعل والمعاملة على اختلاف ألوانها.
أى: وبجانب القول الكريم الذى يجب أن تقوله لهما، عليك أن تكون متواضعا معهما، متلطفا فى معاشرتهما، لا ترفع فيهما عينا، ولا ترفض لهما قولا، مع الرحمة التامة بهما، والشفقة التى لا نهاية لها عليهما.
قال الإِمام الرازى ما ملخصه: وقوله: { وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ } المقصود منه المبالغة فى التواضع.
وذكر القفال فى تقريره وجهين: الأول: أن الطائر إذا أراد ضم فرخه إليه للتربية خفض له جناحه، ولهذا السبب صار خفض الجناح كناية عن حسن التربية. فكأنه قال للولد: اكفل والديك بأن تضمهما إلى نفسك كما فعلا ذلك بك فى حال صغرك.
والثانى: أن الطائر إذا أراد الطيران والارتفاع نشر جناحه، وإذا أراد ترك الطيران وترك الارتفاع خفض جناحه. فصار خفض الجناح كناية عن التواضع.
وإضافة الجناح إلى الذل إضافة بيانية، أى: اخفض لهما جناحك الذليل و{ من } فى قوله { من الرحمة } ابتدائية. أى تواضع لهما تواضعا ناشئا من فرط رحمتك عليهما.
قال الآلوسى: وإنما احتاجا إلى ذلك، لافتقارهما إلى من كان أفقر الخلق إليهما، واحتياج المرء إلى من كان محتاجا إليه أدعى إلى الرحمة، كما قال الشاعر:

يامن أتى يسألنى عن فاقتى ما حال من يسأل من سائله؟
ما ذلة السلطان إلا إذا أصبح محتاجا إلى عامله

وقوله: { وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } تذكير للإنسان بحال ضعفه وطفولته، وحاجته إلى الرعاية والحنان.
أى: وقل فى الدعاء لهما: يا رب ارحمهما برحمتك الواسعة، واشملهما بمغفرتك الغامرة، جزاء ما بذلا من رعاية لى فى صغرى، فأنت القادر على مثوبتهما ومكافأتهما.
قال الجمل: والكاف فى قوله { كما ربيانى .. } فيها قولان: أحدهما أنها نعت لمصدر محذوف.
أى: ارحمهما رحمة مثل رحمتهما لى، والثانى أنها للتعليل. أى: ارحمهما لأجل تربيتهما لى، كما فى قوله
{ { وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ } }. ثم ختم - سبحانه - هذه الآيات التى سمت بمنزلة الوالدين، بما يدل على كمال علمه، وعلى التحذير من عقابه، فقال - تعالى -: { رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً }.
والأوابون: جمع أواب. وهو الكثير الأوبة والتوبة والرجوع إلى الله - تعالى - يقال: آب فلان يئوب إذا رجع.
قال ابن جرير بعد أن ساق الأقوال فى ذلك: وأولى الأقوال فى ذلك بالصواب، قول من قال: الأواب هو التائب من الذنب، الراجع عن معصية الله إلى طاعته، ومما يكرهه إلى ما يرضاه، لأن الأواب إنما هو فعال من قول القائل: آب فلان من سفره إلى منزله، كما قال الشاعر:

وكل ذى غيبة يئوب وغائب الموت لا يؤوب

أى: ربكم - أيها الناس - أعلم بما فى نفوسكم، وضمائركم، سواء أكان خيرا أو شرا، وسواء أكنتم تضمرون البر بآبائكم أم تخفون الإِساءة إليهما، ومع ذلك فإنكم إن تكونوا صالحين - أى: قاصدين الصلاح والبر بهما، والرجوع عما فرط منكم فى حقهما أو فى حق غيرهما - فالله - تعالى - يقبل توبتكم، فإنه - سبحانه - بفضله وكرمه كان للأوابين - أى الرجاعين إليه بالتوبة مما فرط منهم - غفورا لذنوبهم.
فالآية الكريمة وعيد لمن تهاون فى حقوق أبويه، وفى كل حق أوجبه الله عليه، ووعد لمن رجع إليه - سبحانه - بالتوبة الصادقة.
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد أمرت بالإِحسان إلى الوالدين، بأسلوب يستجيش عواطف البر والرحمة فى قلوب الأبناء، ويبعثهم على احترامهما ورعايتهما والتواضع لهما، وتحذيرهم من الإِساءة إليهما، ويفتح باب التوبة أمام من قصر فى حقهما أو حق غيرهما.
وقد كرر القرآن هذا الأمر للأبناء بالإِحسان إلى الآباء، ولم يفعل ذلك مع الآباء.
وذلك لأن الحياة - كما يقول بعض العلماء - وهى مندفعة فى طريقها بالأحياء، توجه اهتمامهم القوى إلى الأمام. إلى الذرية. إلى الناشئة الجديدة، إلى الجيل المقبل. وقلما توجه اهتمامهم إلى الوراء. إلى الأبوة، إلى الحياة المولية إلى الجيل الذاهب.
ومن ثم تحتاج البنوة إلى استجاشة وجدانها بقوة لتنعطف إلى الخلف، وتتلفت إلى الآباء والأمهات.
إن الوالدين يندفعان بالفطرة إلى رعاية الأولاد. إلى التضحية بكل شئ حتى بالذات، وكما تمتص النابتة الخضراء كل غذاء فى الحبة فإذا هى فتات، ويمتص الفرخ كل غذاء فى البيضة فإذا هى قشر، كذلك يمتص الأولاد، كل رحيق، وكل عافية، وكل جهد، وكل اهتمام من الوالدين، فإذا هما شيخوخة فانية - إن أمهلهما الأجل - وهما مع ذلك سعيدان.
فأما الاولاد فسرعان ما ينسون هذا كله ويندفعون بدورهم إلى الأمام. إلى الزوجات والذرية ... وهكذا تندفع الحياة.
ومن ثم لا يحتاج الآباء إلى توصية بالأبناء. إنما يحتاج هؤلاء إلى استجاشة وجدانهم بقوة، ليذكروا واجب الجيل الذى أنفق رحيقه كله حتى أدركه الجفاف.
وهنا يجئ الأمر بالإِحسان إلى الوالدين، فى صورة قضاء من الله يحمل معنى الأمر المؤكد، بعد الأمر المؤكد بعبادة الله.
هذا، وقد ساق المفسرون عند تفسيرهم لهذه الآيات، كثيرا من الأحاديث والآثار التى توجه الأبناء إلى رعاية الآباء، واحترامهم، والعطف عليهم، والرحمة بهم، والاهتمام بشئونهم.
قال الإِمام ابن كثير: وقد جاء فى بر الوالدين أحاديث كثيرة، منها الحديث المروى من طرق عن أنس وغيره:
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صعد المنبر قال: آمين. آمين. آمين.
فقالوا: يا رسول الله، علام أمنت؟ قال: أتانى جبريل فقال: يا محمد، رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك، فقل: آمين فقلت آمين. ثم قال: رغم أنف امرئ دخل عليه شهر رمضان ثم خرج ولم يغفر له، قل: آمين. فقلت آمين. ثم قال: رغم أنف امرئ أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة. قل: آمين، فقلت: آمين"
.
وعن مالك بن ربيعة الساعدى قال: "بينما أنا جالس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله، هل بقى على من بر أبوى شئ بعد موتهما أبرهما به؟ قال: نعم: خصال أربع. الصلاة عليهما والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التى لا رحم لك إلا من قِبَلهما، فهو الذى بقى عليك بعد موتهما من برهما" .
وقال القرطبى: أمر الله - سبحانه - بعبادته وتوحيده، وجعل بر الوالدين مقرونا بذلك. كما قرن شكرهما بشكره، فقال: { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً }.
وقال:
{ { أَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } }. وفى صحيح البخارى "عن عبدالله قال: سألت النبى صلى الله عليه وسلم: أى الأعمال أحب إلى الله - تعالى -؟. قال: الصلاة على وقتها. قلت: ثم أى؟ قال: بر الوالدين، قلت ثم أى: قال: الجهاد فى سبيل الله" .
.. ثم قال القرطبى -رحمه الله -: ومن عقوق الوالدين مخالفتهما فى أغراضهما الجائزة لهما، كما أن من برهما موافقتهما على أغراضهما. وعلى هذا إذا أمرا أو أحدهما ولدهما بأمر وجبت طاعتهما فيه. ما لم يكن ذلك الأمر معصية، ولا يختص برهما بأن يكونا مسلمين، بل إن كانا كافرين يبرهما ويحسن إليهما.
ففى صحيح البخارى ع
"ن أسماء قالت:قدمت أمى وهى مشركة فاستفتيت النبى صلى الله عليه وسلم فقلت: إن أمى قدمت وهى راغبة أفأصلها؟ - أى وهى راغبة فى برى وصلتى، أو وهى راغبة عن الإِسلام كارهة له - قال: نعم صلى أمك" .
ثم قال القرطبى: ومن الإِحسان إليهما والبر بهما، إذا لم يتعين الجهاد ألا يجاهد إلا بإذنهما. فعن عبد الله بن عمرو قال: "جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم يستأذنه فى الجهاد فقال: أحى والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد" .
قال ابن المنذر: فى هذا الحديث النهى عن الخروج بغير إذن الأبوين ما لم يقع النفير، فإذا وقع وجب الخروج على الجميع.
ثم قال: ومن تمام برهما: صلة أهل ودهما، ففى الصحيح عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" إن من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولى" .
وكان صلى الله عليه وسلم يهدى لصديقات خديجة برًّا بها ووفاء لها وهى زوجته، فما ظنك بالوالدين.
وبعد أن بين - سبحانه - ما يجب على الإِنسان نحو خالقه - عز وجل - ونحو والديه، أتبع ذلك ببيان ما يجب على هذا الإنسان نحو أقاربه، ونحو المسكين وابن السبيل، ونحو ماله الذى هو نعمة من نعم الله عليه. فقال - تعالى -: { وَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً }.