خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً
٤
فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً
٥
ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً
٦
إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً
٧
عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً
٨
-الإسراء

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

وقوله - سبحانه -: { وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ... } إخبار من الله - تعالى - لهم، بما سيكون منهم، حسب ما وقع فى علمه المحيط بكل شئ، والذى ليس فيه إجبار أو قسر، وإنما هو صفة انكشافية، تنبئ عن مآلهم وأحوالهم.
قال أبو حيان: والفعل { قضى } يتعدى بنفسه إلى مفعول، كقوله - تعالى -: { فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ .. } ولما ضُمِّن هنا معنى الإِيحاء أو الإِنفاذ تعدى بإلى أى: وأوحينا أو أنفذنا إلى بنى إسرائيل فى القضاء المحتوم المثبوت وعن ابن عباس: وأعلمناهم ...
والمراد بالكتاب: التوراة، وقيل اللوح المحفوظ.
واللام فى قوله { لتفسدن ... } جواب قسم محذوف تقديره: والله لتفسدن.
ويجوز أن تكون جوابا لقوله - تعالى -: { وقضينا ... } لأنه مضمن معنى القسم، كما يقول القائل: قضى الله لأفعلن كذا، فيجرى القضاء والقدر مجرى القسم ...
والمقصود بالأرض: عمومها أو أرض الشام.
و{ مرتين } منصوب على أنه مفعول مطلق لقوله: { لتفسدن } من غير لفظه، والمراد لتفسدن إفسادتين وقوله - عز وجل -: { ولتعلن .. } من العلو وهو ضد السفل، والمراد به هنا: التكبر والتجبر والبغى والعدوان.
والمعنى: وأخبرنا بنى إسرائيل فى كتابهم التوراة خبراً مؤكدا: وأوحينا إليهم بواسطة رسلنا، بأن قلنا لهم: لتفسدن فى الأرض مرتين، ولتستكبرون على الناس بغير حق، استكبارا كبيرا، يؤدى بكم إلى الخسران والدمار.
والتعبير عما يكون منهم من إفساد بالقضاء وأنه فى الكتاب، يدل على ثبوته، إذ أصل القضاء - كما يقول القرطبى - الإِحكام للشئ والفراغ منه.
وأكد إفسادهم واستعلاءهم بلام القسم، للإِشعار بأنه مع ثبوته ووجوده فهو مصحوب بالتجبر والتكبر والبغى والعدوان.
وكان من مظاهر إفسادهم فى الأرض: تحريفهم للتوراة، وتركهم العمل بما فيها من أحكام، وقتلهم الأنبياء والمصلحين.
ثم بين - سبحانه - أنه يسلط عليهم بعد إفسادهم الأول فى الأرض، من يقهرهم ويستبيح حرماتهم، ويدمرهم تدميرا، فقال - تعالى -: { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً }.
والمراد بالوعد: الموعد المحدد لعقابهم بسبب إفسادهم فى الأرض، فالكلام على حذف مضاف، والضمير فى { أولاهما } يعود على المرتين المعبر عنهما بقول: { لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ }.
وقوله { فجاسوا } معطوف على { بعثنا } وأصل الجوس: طلب الشئ باستقصاء واهتمام لتنفيذ ما من أجله كان الطلب.
والمعنى: فإذا حان وقت عقابكم - يا بنى إسرائيل - على أولى مرتى إفسادكم بعثنا عليكم ووجهنا إليكم { عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } أى أصحاب بطش شديد فى الحروب والقتال، فأذلوكم وقهروكم، وفتشوا عنكم بين المساكن والديار، لقتل من بقى منكم على قيد الحياة، وكان البعث المذكور وما ترتب عليه من قتلكم وسلب أموالكم، وهتك أعراضكم، وتخريب دياركم ... وعدا نافذا لا مرد له، ولا مفر لكم منه.
قال الآلوسى: واختلف فى تعيين هؤلاء العباد - الذين بعثهم الله لمعاقبة بنى إسرائيل بعد إفسادهم الأول - فعن ابن عباس وقتادة: هم جالوت وجنوده، وقال ابن جبير وابن إسحاق: هم سنحاريب ملك بابل وجنوده. وقيل: هم العمالقة، وقيل: بختنصر.
وسنبين رأينا فيمن سلطه الله - تعالى - عليهم فى المرتين، بعد تفسيرنا لهذه الآيات الكريمة.
فإن قال قائل: وما فائدة أن يخبر الله - تعالى - بنى إسرائيل فى التوراة أنهم يفسدون فى الأرض مرتين. وأنه يعاقبهم على ما كان منهم من استعلاء وطغيان، بأن يسلط عليهم من يذلهم ويقهرهم ويقضى عليهم؟.
فالجواب: أن إخبارهم بذلك يفيد أن الله - عز وجل - لا يظلم الناس شيئا، وإنما يعاقبهم على ما يكون منهم من إفساد ويعفو عن كثير، وأن رحمته مفتوحة للعصاة متى تابوا وأنابوا وأصلحوا من شأن أنفسهم.
وهناك فائدة أخرى لهذا الإِخبار، وهو تنبيه العقلاء فى جميع الأمم أن يحذروا من مواقعة المعاصى التى تؤدى إلى الهلاك، وأن يحذروا أممهم من ذلك، ويبصروهم بسوء عاقبة السير فى طريق الغى، حتى لا يعرضوا أنفسهم لعقاب الله - عز وجل -.
ومن فوائد إيراد هذا الخبر فى القرآن الكريم، تنبيه اليهود المعاصرين للنبى صلى الله عليه وسلم ومن على شاكلتهم فى الفسوق والعصيان من المشركين، إلى سنة من سنن الله فى خلقه، وهى أن الإِفساد عاقبته الخسران.
فعلى اليهود وغيرهم من الناس أن يتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم الذى ثبتت نبوته ثبوتا لا شك فيه، لكى يسعدوا فى دنياهم وآخرتهم.
ثم أشار - سبحانه - إلى الفائدة الثالثة من هذا الإِخبار، وهى أن الأمم المغلوبة على أمرها. تستطيع أن تسترد مجدها، متى أصلحت من شأن أنفسها، ومتى استقامت على أمر الله - تعالى - فقال - سبحانه -: { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً }.
ففى هذه الآية الكريمة تذكير لبنى إسرائيل بجملة من نعم الله عليهم، بعد أن أصابهم ما أصابهم من أعدائهم.
أما النعمة الأولى فقد عبر عنها - سبحانه - بقوله: { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ }.
والكَرَّة: المرة من الشئ: وأصلها من الكَرِّ وهو الرجوع، مصدر كريكر - من باب قتل -، يقال: كرَّ الفارس كَرًّا، إذا فر للجولان ثم عاد للقتال.
والمراد بالكرة هنا: الدولة والغلبة على سبيل المجاز.
أى: ثم أعدنا لكم - يا بنى إسرائيل - الدولة والغلبة على أعدائكم الذين قهروكم وأذلوكم، بعد أن أحسنتم العمل، ورجعتم إلى الله - تعالى - واتبعتم ما جاءكم به رسلكم.
والتعبير بثم لإِفادة الفرق الشاسع بين ما كانوا فيه من ذل وهوان، وما أفاءه الله عليهم بعد ذلك من نصر وظفر.
قال أبو حيان: وجعل - سبحانه - { رددنا } موضع نرد - إذ وقت إخبارهم لم يقع الأمر بعد - لأنه لما كان وعد الله فى غاية الثقة فى كونه سيقع، عبر عن المستقبل بالماضى.
وأما النعمة الثانية فقد عبر عنها - سبحانه - بقوله: { وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ }.
أى: لم نكتف بأن جعلنا النصر لكم على أعدائكم، بل فضلا عن ذلك، أمددناكم بالكثير من الأموال والأولاد، بعد أن نهب أعداؤكم أموالكم، وقتلوا الكثيرين من أبنائكم.
وأما النعمة الثالثة فتتجلى فى قوله - تعالى -: { وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً }.
والنفير: من ينفر مع الرجل من قومه لنصرته ومؤازرته، وهو منصوب على التمييز. والمفضل عليه محذوف، والتقدير: وجعلناكم أكثر عددا وقوة من أعدائكم الذين جاسوا خلال دياركم..
فمن الواجب عليكم أن تقدروا هذه النعم، وأن تحسنوا الاستفادة منها، بأن تشكروا الله - تعالى - وتخلصوا له العبادة والطاعة، فقد نصركم بعد هزيمتكم، وأغناكم بعد فقركم، وكثّركم بعد قتلكم.
ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك سنة من سننه التى لا تتخلف، وهى أن الإِحسان عاقبته الفلاح، والعصيان عاقبته الخسران، وأن كل إنسان مسئول عن عمله، ونتائج هذا العمل - سواء أكانت خيرا أم شرا - لا تعود إلا عليه، فقال - تعالى -: { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا }.
أى: إن أحسنتم - أيها الناس - أعمالكم، بأن أديتموها بالطريقة التى ترضى الله - تعالى - أفلحتم وسعدتم، وجنيتم الثمار الطيبة التى تترتب على هذا الإِحسان للعمل، وإن أسأتم أعمالكم، بأن آثرتم الأعمال السيئة على الأعمال الحسنة، خسرتم وشقيتم وتحملتم وحدكم النتائج الوخيمة التى تترتب على إتيان الأعمال التى لا ترضى الله - تعالى -.
وقد رأيتم كيف أن الإِفساد كانت عاقبته أن { بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ }.
وكيف أن الإِحسان كانت عاقبته أن { رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ } على أعدائكم { وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً }.
قال صاحب البحر ما ملخصه: وجواب { وإن أسأتم } قوله { فلها } وهو خبر لمبتدأ محذوف أى: فالإِساءة لها. قال الكرمانى: قال - سبحانه -: { فلها } باللام ازدواجا.
أى: أنه قابل { لأنفسكم } بقوله { فلها }. وقال الطبرى اللام بمعنى إلى أى: فإليها ترجع الإِساءة.
وقيل: اللام بمعنى على. أى: فعليها، كما فى قول الشاعر: فخر صريعا لليدين وللفم.
ثم بين - سبحانه - ما يحل بهم من دمار، بعد إفسادهم للمرة الثانية، فقال - تعالى -: { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً }.
والكلام أيضا هنا على حذف مضاف، وجواب إذا محذوف دل عليه ما تقدم وهو قوله { بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ } فإذا جاء وقت عقوبتكم يا بنى إسرائيل على إفسادكم الثانى فى الأرض، بعثنا عليكم أعداءكم ليسوءوا وجوهكم أى: ليجعلوا آثار المساءة والحزن بادية على وجوهكم، من شدة ما تلقونه منهم من إيداء وقتل.
قال الجمل ما ملخصه: وقوله { ليسوءوا } الواو للعباد أولى البأس الشديد.
وفى عود الواو على العباد نوع استخدام، إذ المراد بهم أولا جالوت وجنوده، والمراد بهم هنا بختنصر وجنوده.
وقرأ ابن عامر وحمزة بالياء المفتوحة والهمزة المفتوحة آخر الفعل "ليسوء" والفاعل إما الله - تعالى - وإما الوعد، وإما البعث.
وقرأ الكسائى لنسوء - بنون العظمة. أى: لنسوء نحن وهو موافق لما قبله، من قوله: بعثنا، ورددنا، وأمددنا، ولما بعده من قوله: عدنا، وجعلنا، وقرأ الباقون. ليسوءوا، مسندا إلى ضمير الجمع العائد على العباد، وهو موافق لما بعده من قوله: { وليدخلوا المسجد } { وليتبروا }.
وقال الإِمام الرازى: ويقال ساءه يسوءه إذا أحزنه، وإنما عزا - سبحانه - الإِساءة إلى الوجوه، لأن آثار الأعراض النفسية الحاصلة فى القلب إنما تظهر على الوجه، فإن حصل الفرح فى القلب ظهر الإِشراق فى الوجه، وإن حصل الحزن والخوف فى القلب، ظهر الكلوح فى الوجه.
وقوله - سبحانه -: { وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ } معطوف على ما قبله وهو قوله - سبحانه - { ليسوءوا وجوهكم }.
والمراد بالمسجد: المسجد الأقصى الذى ببيت المقدس، وقوله { كما دخلوه } صفة لمصدر محذوف.
والمعنى: وليدخلوا المسجد دخولا كائنا كدخولهم إياه أول مرة.
قال أبو حيان: ومعنى { كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ } أى بالسيف والقهر والغلبة والإِذلال.
أى: أن المراد من التشبيه، بيان أن الأعداء فى كل مرة أذلوا بنى إسرائيل وقتلوهم وقهروهم.
وقوله - تعالى -: { وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً } يشعر بشدة العقوبة التى أنزلها أولئك العباد ببنى إسرائيل، إذ التتبير معناه الإِهلاك والتدمير والتخريب لكل ما تقع عليه. ومنه قول الشاعر:

وما الناس إلا عاملان فعامل يتبر ما يبنى وآخر رافع

أى: يخرب ويهد ما يبنى.
و"ما" فى قوله { ما علوا } اسم موصول مفعول يتبروا: وهو عبارة عن البلاد والأماكن التى هدموها، والعائد محذوف، وتتبيرا مفعول مطلق مؤكد لعامله.
أى: وليدمرا ويخربوا البلاد والأماكن التى علوا عليها، وصارت فى حوزتهم، تدميرا تاما لا مزيد عليه.
وبذلك نرى أن العباد الذين سلطهم الله - تعالى - على بنى إسرائيل، عقب إفسادهم الثانى فى الأرض، لم يكتفوا بجوس الديار، بل أضافوا إلى ذلك إلقاء الحزن والرعب فى قلوبهم، ودخول المسجد الأقصى فاتحين ومخربين، وتدمير كل ما وقعت عليه أيديهم تدميرا فظيعا لا يوصف.
ثم ختم - سبحانه - الآيات الكريمة ببيان أن هذا الدمار الذى حل ببنى إسرائيل بسبب إفسادهم فى الأرض مرتين، قد يكون طريقا لرحمتهم، وسببا فى توبتهم وإنابتهم، إن فتحوا قلوبهم للحق، واعتبروا بالأحداث الماضية، وفهموا عن الله - تعالى - سنته التى لا تتخلف، وهى أن الإِحسان يؤدى إلى الفلاح والظفر، والإِفساد يؤدى إلى الخسران والهلاك.
وقد عبر القرآن الكريم عن هذه المعانى أبلغ تعبير وأحكمه. فقال - تعالى -: { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً }.
أى: عسى ربكم أن يرحمكم: ويعفو عنكم يا بنى إسرائيل متى أخلصتم له العبادة والطاعة، وأصلحتم أقوالكم وأعمالكم، فقد علمتم أنه - سبحانه - لا ينزل بلاء إلا بذنب، ولا يرفعه إلا بتوبة.
قال: أبو حيان: وهذه الترجية ليست لرجوع دولة، وإنما هى من باب ترحم المطيع منهم، وكان من الطاعة أن يتبعوا عيسى ومحمدا - عليهما السلام - ولكنهم لم يفعلوا.
وقوله - سبحانه -: { وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا } إنذار لهم بإنزال العقوبات عليهم، إن عادوا إلى فسادهم وإفسادهم.
أى: وإن عدتم إلى المعاصى ومخالفة أمرى، وانتهاك حرماتى، بعد أن تداركتكم رحمتى، عدنا عليكم بالقتل والتعذيب وخراب الديار.
ولقد عادوا إلى الكفر والفسوق والعصيان، حيث أعرضوا عن دعوة الحق التى جاءهم بها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يكتفوا بهذا الإِعراض بل هموا بقتله صلى الله عليه وسلم وأيدوا كل متربص بالإِسلام والمسلمين، فكانت نتيجة ذلك أن عاقبهم النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه بما يستحقون من إجلاء وتشريد وقتل . .
قال ابن عباس - رضى الله عنهما -: "عادوا فسلط الله عليهم المؤمنين".
ثم بين - سبحانه - عقوبتهم فى الآخرة فقال: { وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً } أى: إن عدتم إلى معصيتنا فى الدنيا عدنا عليكم بالعقوبة الرادعة، أما فى الآخرة فقد جعلنا جهنم للكافرين منكم ومن غيركم { حصيرا } أى: سجنا: حاصرا لكم لا تستطيعون الهروب منه، أو الفكاك عنه، أو فراشا تفترشونه، كما قال - تعالى -:
{ { لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ } }. قال بعض العلماء: "قوله { حصيرا } فيه وجهان: الأول: أن الحصير المحبس والسجن. من الحصر وهو الحبس: يقال حصره يحصره حصرا، إذا ضيق عليه وأحاط به.
والثانى أن الحصير: البساط والفراش، من الحصير الذى يفرش، لأن العرب تسمى البساط الصغير حصيرا ..".
وبذلك نرى الآيات الكريمة، قد حكت لنا قضاء الله - تعالى - فى بنى إسرائيل، وساقت لنا لكى نعتبر ونتعظ ألوانا من سنن الله - تعالى - التى لا تتخلف، والتى من أبرزها أن الإيمان والصلاح عاقبتهما الفلاح، وأن الكفر والفساد عاقبتهما الشقاء، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.
هذا، والذى يراجع ما قاله المفسرون فى بيان العباد الذين سلطهم الله - تعالى - على بنى إسرائيل بعد إفسادهم الأول والثانى فى الأرض، يرى أقوالا متعددة يبدو على كثير منها الاضطراب والضعف.
ومن ذلك ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس وابن مسعود - رضى الله عنهما - أن الله - تعالى - عهد إلى بنى إسرائيل فى التوراة { لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ } فكان أول الفسادين قتل زكريا، فبعث الله عليهم ملك النبط، وكان يدعى "صحابين" فبعث الجنود، وكانوا من أهل فارس .. فتحصنت بنو إسرائيل .. ودخل فيهم "بختنصر" - أحد جنود صحابين - وسمع أقوالهم .. الخ.
وهذا الأثر من وجوه ضعفه، أن غزو النبط ومعهم بختنصر لبنى إسرائيل سابق على زمان زكريا - عليه السلام - بحوالى ستة قرون.
لأن الثابت تاريخيا أن بختنصر غزا بنى إسرائيل وانتصر عليهم ثلاث مرات: الأولى فى سنة 606 ق. م والثانية فى سنة 599 ق. م، والثالة فى سنة 588 ق. م.
وفى هذه المرة الثالثة أكثر القتل فيهم، وساق الأحياء منهم أسارى إلى أرض بابل.
أما زكريا - عليه السلام - فمن المعروف أنه كان معاصرا لعيسى - عليه السلام - أو مقاربا لعصره: فقد أخبرنا القرآن الكريم أن زكريا هو الذى تولى كفالة مريم أم عيسى.
وإذاً فالقول بأن إفسادهم الأول كان لقتلهم زكريا، وأن المسلط عليهم ملك النبط ومع "بختنصر" يتنافى مع الحقائق التاريخية.
وفضلا عن ذلك، فإن هذا الأثر اضطرابه ظاهر، لأن "صحابين" ملك النبط، هو الذى يسميه المؤرخون "سنحاريب" وكان ملكا للأشوريين، وهو الذى غزا مملكة يهوذا سنة 713 ق. م أى قبل غزو بختنصر لها بأكثر من مائة سنة، أى: أن بختنصر لم يكن معاصرا له.
والرأى الذى نختاره: هو أن العباد الذين سلطهم الله على بنى إسرائيل بعد إفسادهم الأول، هم جالوت وجنوده. ونستند فى اختيارنا لهذا الرأى إلى أمور من أهمها ما يلى:
1- ذكر القرآن الكريم فى سورة البقرة، عند عرضه لقصة القتال الذى دار بين طالوت قائد بنى إسرائيل، وبين "جالوت" قائد أعدائهم، ما يدل على أن بنى اسرائيل كانوا قبل ذلك مقهورين مهزومين من أعدائهم.
ويتجلى هذا المعنى فى قوله - تعالى -:
{ { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلْمَلإِ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىۤ إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا .. } }. فقولهم - كما حكى القرآن عنهم - { وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا .. } يدل دلالة قوية، على أنهم كانوا قبل قتالهم لجالوت مهزومين هزيمة اضطرتهم إلى الخروج عن ديارهم، وإلى مفارقة أبنائهم.
2- قوله - تعالى -: { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ } صريح فى أن الله - تعالى - نصر بنى إسرائيل - بعد أن تابوا وأنابوا - على أعدائهم.
وهذا المعنى ينطبق على ما قصه القرآن علينا، من أن بنى إسرائيل بقيادة طالوت قد انتصروا على جالوت وجنوده.
قال - تعالى -:
{ { وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ .. } }. ولقد كان هذا النصر نعمة كبرى لبنى إسرائيل، فقد جاءهم بعد أن أخرجوا من ديارهم وأبنائهم، وبعد أن اعترضوا على اختيار طالوت ملكا عليهم، وبعد أن قاتل مع طالوت عدد قليل منهم. ولا شك أن النصر فى هذه الحالة، أدعى لطاعة الله - تعالى - وشكره على آلائه.
3- قوله - تعالى -: { وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } أكثر ما يكون انطباقا على عهد حكم طالوت، وداود، وسليمان لهم.
ففى هذا العهد الذى دام زهاء ثمانين سنة، ازدهرت مملكتهم، وعز سلطانهم وأمدهم الله خلاله بالأموال الوفيرة، وبالبنين الكثيرة، وجعلهم أكثر من أعدائهم عددا وقوة.
أما بعد هذا العهد، بل وقبل هذا العهد، فقد كانت حياتهم سلسلة من المآسى والنكبات.
فبعد موت سليمان - عليه السلام - سنة 975 ق. م تقريبا، انقسمت مملكتهم إلى قسمين: مملكة يهوذا فى الجنوب، ومملكة إسرائيل فى الشمال، واستمرتا فى صراع ونزاع حتى قضى الأشوريون سنة 721 ق. م على مملكة إسرائيل، وقضى "بختنصر" على مملكة يهوذا سنة 588 ق. م.
4- ذكر بعض المفسرين أن العباد الذين سلطهم الله عليهم بعد إفسادهم الأول هم جالوت وجنوده.
أخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله: { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } قال: بعث الله عليهم فى الأولى جالوت، فجاس خلال ديارهم، فسألوا الله - تعالى - أن يبعث لهم ملكا، فبعث لهم طالوت، فقاتلوا جالوت، وانتصروا عليه، وقتل داود جالوت، ورجع إلى بنى اسرائيل ملكهم. فلما أفسدوا بعث الله عليهم فى المرة الآخرة "بختنصر" فخرب المساجد، وتبر ما علوا تتبيرا...
هذه بعض الأدلة التى تجعلنا نرجح أن المراد بالعباد الذين سلطهم الله - تعالى - على بنى إسرائيل بعد إفسادهم الأول فى الأرض، هم جالوت وجنوده.
أما العباد الذين سلطهم الله عليهم بعد إفسادهم الثانى، فيرى كثير من المفسرين أنهم "بختنصر" وجنوده.
وهذا الرأى ليس ببعيد عن الصواب، لما ذكرنا قبل ذلك من تنكيله بهم، وسوقهم أسارى إلى بابل سنة 588 ق. م.
إلا أننا نؤثر على هذا الرأى، أن يكون المسلط عليهم بعد إفسادهم الثانى، هم الرومان بقيادة زعيمهم، تيطس سنة 70 م. لأمور من أهمها:.
1- أن الذى يتتبع التاريخ يرى أن رذائل بنى إسرائيل فى الفترة التى سبقت تنكيل "تيطس" بهم، أشد وأكبر من الرذائل التى سبقت إذلال "بختنصر" لهم. فهم - على سبيل المثال - قبيل بطش الرومان بهم، كانوا قد قتلوا من أنبياء الله زكريا ويحيى - عليهما السلام -، وكانوا قد حاولوا قتل عيسى - عليه السلام - ولكن الله - تعالى - نجاه من شرورهم.
2- ضربات الرومان - فى ذاتها - كانت أشد وأقسى على بنى اسرائيل. من ضربات "بختنصر" لهم.
فمثلا عدد القتلى من اليهود على يد الرومان بقيادة "تيطس" بلغ مليون قتيل، وبلغ عدد الأسرى نحو مائة ألف أسير.
بينما عدد القتلى والأسرى منهم على يد "بختنصر" كان أقل من هذا العدد بكثير.
ولقد وصف المؤرخون النكبة التى أوقعها الرومان بهم، بأوصاف تفوق بكثير ما أوقعه البابليون بقيادة بختنصر بهم.
يقول أحد الكتاب واصفا ما حل باليهود على يد "تيطس" الرومانى: كان "تيطس" فى الثلاثين من عمره، حين وقف سنة 70 م أمام أسوار أورشليم على رأس جيشه، بعد أن بدأت المدينة تعانى من أهوال الحصار.
وبعد أن اقتحم "تيطس" وجنوده المدينة، أصدر أمره إليهم: أن احرقوا وانهبوا واقتلوا، فأموال اليهود وأعراضهم حلال لكم، وقد أحرق الرومان معبد اليهود ودمروه، وتحققت نبوءة المسيح - عليه السلام - حين قال: ستلقى هذه الأرض بؤسا وعنتا، وسيحل الغضب على أهلها، وسيسقطون صرعى على حد السيف، ويسيرون عبيدا إلى كل مصر، وستطأ أورشليم الأقدام.
3- النكبة التى أنزلها الرومان بهم - من حيث آثارها - أشنع بكثير من النكبة التى أنزلها بختنصر بهم. لأنهم بعد تنكيل بختنصر بهم وأخذهم أسرى إلى بلاده وبقائهم فى الأسر زهاء خمسين سنة عادوا إلى ديارهم مرة أخرى، بمساعدة "قورش" ملك الفرس، الذى انتصر على "بختنصر" سنة 538 ق. م تقريبا، وبدأوا يتكاثرون من جديد.
أما بعد تنكيل "تيطس" بهم فلم تقم لهم قائمة، ومزقوا فى الأرض شر ممزق، وانقطع دابرهم كأمة.
وقد صرح بهذا المعنى صاحب تاريخ الإِسرائيليين فقال بعد وصفه لما أوقعه "تيطس" بهم من ضربات: إلى هنا ينتهى تاريخ الإِسرائيليين كأمة، فإنهم بعد خراب أورشليم على يد "تيطس" تفرقوا فى جميع بلاد الله، وتاريخهم بعد ذلك ملحق بتاريخ الممالك التى توطنوها أو نزلوا فيها...
ولهذه الأسباب نرجح أن يكون العباد الذين سلطهم الله على بنى إسرائيل بعد إفسادهم الثانى فى الأرض، هم الرومان بقيادة "تيطس".
هذا، ومع ترجيحنا بأن المسلط عليهم فى المرة الأولى، هم جالوت وجنوده وفى المرة الثانية هم الرومان بقيادة "تيطس".
أقول مع ترجيحنا لذلك، إلا أننا نحب فى نهاية حديثنا عن هذه الآيات الكريمة، أن نقرر ما يأتى:
1- أنه لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث فى بيان المراد بالعباد الذين سلطهم الله على بنى إسرائيل عقب مرتى إفسادهم، وإلا لذكره المفسرون.
2- أن الإِفساد فى الأرض قد حدث كثيرا من بنى اسرائيل، وأن المقصود من قوله - تعالى - { لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ } إنما هو أظهر وأبرز مرتين حدث فيهما الإِفساد منهم.
ومما يدل على أن هذا الإِفساد قد تكرر منهم قوله - تعالى -: { وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا } وقوله - تعالى -:
{ { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } }. 3- أن المقصود من سياق الآيات، إنما هو بيان سنة من سنن الله فى الأمم حال صلاحها وفسادها.
وقد ساق القرآن الكريم هذا المعنى بأحكم عبارة، وذلك فى قوله - تعالى -: { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا }.
ولا شك أن هذه السنة ماضية فى الأمم دون تبديل أو تحويل فى كل زمان ومكان.
وما دام هذا هو المقصود، ففهمه لا يتوقف على تحديد مرتى إفسادهم، وتحديد المسلط عليهم عقب كل مرة.
ويعجبنى فى هذا المقام، قول الإِمام ابن كثير: "وقد وردت فى هذا - أى فى المسلط عليهم فى المرتين - آثار كثيرة إسرائيلية، لم أر تطويل الكتاب بذكرها، لأن منها ما هو موضوع من وضع زنادقتهم، ومنها ما قد يحتمل أن يكون صحيحا، ونحن فى غنية عنها، ولله الحمد، وفيما قص الله علينا فى كتابه غنية عما سواه من بقية الكتب قبله، ولم يحوجنا الله ولا رسوله إليهم وقد أخبر الله - تعالى - أنهم لما بغوا وطغوا سلط عليهم عدوهم، فاستباح بيضتهم وسلك خلال بيوتهم وأذلهم وقهرهم، جزاء وفاقا، وما ربك بظلام للعبيد، فإنهم كانوا قد تمردوا وقتلوا خلقا من الأنبياء والعلماء".
وقول الإِمام الرازى: "واعلم أنه لا يتعلق كثير غرض فى معرفة أولئك الأقوام بأعيانهم، بل المقصود هو أنهم لما أكثروا من المعاصى. سلط عليهم أقواما قتلوهم وأفنوهم".
وقد بسطنا فى تفسير هذه الآيات الكريمة، بصورة أكثر تفصيلا فى غير هذا المكان، فليرجع إليه من شاء الاستزادة.
وبعد أن بين - سبحانه - أنه قد آتى موسى - عليه السلام - التوراة لتكون هداية لبنى إسرائيل، وأنه - عز وجل - قد قضى فيهم بقضائه العادل. أتبع ذلك بالثناء على القرآن الكريم، فقال - تعالى -: { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً ... }.