خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ وَٰعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَٰلِمُونَ
٥١
ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
٥٢
-البقرة

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

المواعدة: مفاعلة من الجانبين، وهى هنا على غير بابها، لأن المراد بها هنا أمر الله - تعالى - لموسى أن ينقطع لمناجاته أربعين ليلة تمهيداً لإِعطائه التوراة، ويؤيد ذلك قراءة أبى عمرو وأبى جعفر (وعدنا). وقيل: المفاعلة على بابها، على معنى أن الله - تعالى - وعد نبيه موسى - عليه السلام - أن يعطيه التوراة وأمره بالحضور للمناجاة، فوعد موسى ربه بالطاعة والامتثال فكان الوعد حاصلا من الطرفين.
وملخص هذه القصة أن قوم موسى بعد أن نجاهم الله، وأغرق عدوهم أمام أعينهم، طلبوا من نبيهم موسى أن يأتيهم بكتاب من عند الله ليعملوا بأحكامه، فوعده - سبحانه - أن يعطيه التوراة بعد أربعين ليلة ينقطع فيها لمناجاته، وبعد انقضاء تلك الفترة وذهاب موسى لتلقى التوراة من ربه اتخذ بنو إسرائيل عجلا جسداً له خوار فعبدوه من دون الله، وأعلم الله موسى بما كان من قومه بعد فراقه، فرجع إليهم غاضباً حزيناً، وأعلمهم بأن توبتهم لن تكون مقبولة إلا بقتل أنفسهم، فلما فعلوا ذلك عفا الله عنهم لكى يشكروه، ويلتزموا الصراط المستقيم.
ومعنى الآيتين الكريمتين: واذكروا يا بنى إسرائيل وقت أن وعدنا موسى أن نؤتيه التوراة بعد انقضاء أربعين ليلة من هذا الوعد، فلما حل الوعد وجاء موسى لميقاتنا عبدتم العجل فى غيبته، ولا شك أنكم ظلمتم أنفسكم بعبادة غير الله، ويوضعكم الأمور فى غير مواضعها، ومع هذا فلم نعاجلكم بالعقوبة، بل قبلنا توبتكم، وعفونا عنكم، لتكونوا من الشاكرين لله تعالى.
وهذا التذكير يحمل فى طياته التعجيب من حالهم، لأنهم قابلوا نعم الله بأقبح أنواع الكفر والجهالة، حيث عبدوا فى غيبة نبيهم ما هو مثال فى الغباوة والبلادة وهو العجل.
وفى اختيار حرف العطف (ثم) المفيد للتراخى الرتبى فى جملة { ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ } إشعار بأنهم انحدروا إلى دركات سحيفة من الجحود والجهل، وأن ما ارتكبوه هو من عظائم الأمور فى القبح والمعصية وحذف المفعول الثانى لاتخذتم وهو "إلهاً أو معبوداً لشناعة ذكره ولعلمهم بأنهم اتخذوه إلهاً".
وقوله تعالى: { مِن بَعْدِهِ } معناه: من بعد مضيه لميقات ربه إلى الطور وغيابه عنهم. وفى ذلك زيادة تشنيع عليهم، حيث وصفهم - سبحانه - بعدم الوفاء، لأنهم كان من الواجب عليهم - لو كانوا يعقلون - أن يستمروا على توحيد الله فى غيبة نبيهم لا سيما وقد رأوا من المعجزات والنعم، ما يطمئن النفوس، ويقوى الإِيمان ويغرس فى القلوب الطاعة لله تعالى.
وجملة { وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ } حالية مقيدة لاتخذتم، ليكون اتخاذهم العجل معبوداً، مقروناً بالتعدى والظلم من بدئه إلى نهايته، وللإِشعار بانقطاع عذرهم فيما فعلوا.
وقوله تعالى: { ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } معناه ثم تركنا معاجلتكم بالعقوبة، ومحونا ذنوبكم، لتوبتكم من بعد اتخاذكم العجل معبوداً من دون الله، رجاء أن تشكروا خالقكم على عفوه عنكم وتستعملوا نعمه فيما خلقت له وتتبعوا رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد تضمنت هاتان الآيتان الكريمتان، ما يدل على غباء بنى إسرائيل وقصر نظرهم. لأنهم اتخذوا العجل إلهاً بعد أن شاهدوا البراهين على صدق نبيهم، كما تضمنتا تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما كان يشاهده من اليهود المعاصرين للدعوة الإِسلامية، فكأنه سبحانه يقول: إن ما قام به بنو إسرائيل المعاصرون لك من أذى وحقد قد فعل ما يشبهه آباؤهم الأقدمون مع نبيهم موسى - عليه السلام - فلقد اتخذوا فى غيبته عجلاً جسداً له خوار دون أن يفطنوا إلى أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا، اتخذوه وكانوا ظالمين.
خامسا: نعمة إيتاء موسى التوراة لهدايتهم.
ثم ذكرهم - سبحانه - بنعمة خامسة فيها صلاح أمورهم، وانتظام شئونهم ألا وهى إعطاء نبيهم موسى - عليه السلام - التوارة، فقال تعالى:
{ وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ... }.