الوسيط في تفسير القرآن الكريم
والاستفهام فى قوله { أَلَمْ تَرَ ... } للتقرير. والرؤية هنا بمعنى العلم وذلك لأن سجود هذه الكائنات لله - تعالى - آمنا به عن طريق الإِخبار دون أن نرى كيفيته.
والسجود فى اللغة: التذلل والخضوع مع انخفاض بانحناء وما يشبهه. وخص فى الشرع بوضع الجبهة على الأرض بقصد العبادة.
والمراد به هنا: دخول الأشياء جميعها تحت قبضة الله - تعالى - وتسخيره وانقيادها لكل ما يريده منا انقيادا تاماً، وخضوعها له - عز وجل - بكيفية هو الذى يعلمها. فنحن نؤمن بأن هذه الكائنات تسجد لله - تعالى - ونفوض كيفية هذا السجود له - تعالى -.
والمعنى: لقد علمت - أيها العاقل - أن الله - تعالى - يسجد له، ويخضع لسلطانه جميع من فى السماوات وجميع من فى الأرض.
وقوله: { وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ } عطف خاص على قوله: { مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ }.
ونص - سبحانه - عليها مفرداً إياها بالذكر، لشهرتها، ولاستبعاد بعضهم حدوث السجود منها، ولأ آخرين كانوا يعبدون هذه الكواكب، فبين - سبحانه - أنها عابدة وساجدة لله، وليست معبودة.
وقوله - تعالى -: { وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ } عطف خاص على { مَن فِي ٱلأَرْضِ } ونص - سبحانه - عليها - أيضاً - لأن بعضهم كان يعبدها، أو يعبد ما يؤخذ منها كالأصنام.
وقوله - تعالى - { وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ } بيان الذين اهتدوا إلى طريق الحق.
أى: ويسجد له - كذلك - كثير من الناس، وهم الذين خلصت عقولهم من شوائب الشرك والكفر، وطهرت نفوهسم من الأدناس والأوهام.
وقوله: { وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ } بيان لحال الذين استحبوا العمى على الهدى.
أى: وكثير من الناس حق وثبت عليهم العذاب، بسبب إصرارهم على الكفر، وإيثارهم الغى على الرشد.
ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بما يدل على نفاذ قدرته، وعموم مشيئته فقال: { وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ }.
و "من" شرطية، وجوابها: "فما له من مكرم" ومكرم اسم فاعل من أكرم.
أى: ومن يهنه الله ويخزه، فما له من مكرم يكرمه، أو منقذ ينقذه مما هو فيه من شقاء، إن الله - تعالى - يفعل ما يشاء فعله بدون حسيب يحاسبه، أو معقب يعقب على حكمه.
قال - تعالى -: { وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك صورة فيها ما فيها من وجوه المقارنات بين مصير الكافرين ومصير المؤمنين، لكى ينحاز كل ذى عقل سليم إلى فريق الإِيمان لا الكفر، فقال - تعالى -: { هَـٰذَانِ خَصْمَانِ... }.