خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ذٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ
٦٠
ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱللَّيْلِ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ
٦١
ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ ٱلْبَاطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ
٦٢
-الحج

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

واسم الإِشارة ذلك، فى قوله - تعالى - { ذٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ }.
يعود إلى ما ذكره - سبحانه - قبل ذلك من أن الملك له يوم القيامة، ومن الرزق الحسن الذى منحه للمهاجرين فى سبيله ثم قتلوا أو ماتوا.
والعقاب: مأخوذ من التعاقب، وهو مجىء الشىء بعد غيره. والمراد به هنا: مجازاة الظالم بمثل ظلمه.
قال القرطبى: قال مقاتل: نزلت هذه الآية فى قوم من مشركى مكة. لقوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم: فقالوا: إن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - يكرهون القتال فى الشهر الحرام فاحملوا عليهم فناشدهم المسلمون أن لا يقاتلوهم فى الشهر الحرام. فأبى المشركون إلا القتال، فحملوا عليهم فثبت المسلمون ونصرهم الله على المشركين، وحصل فى أنفس المسلمين شىء من القتال فى الشهر الحرام، فأنزل الله الآية.
فمعنى { وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ } أى: من جازى الظالم بمثل ما ظلمه، فسمى جزاء العقوبة عقوبة لاستواء الفعلين فى الصورة فهى مثل:
{ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } وقوله { ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ } أى: أن الظالم المبتدئ بالظلم عاد مرة أخرى فبغى على المظلوم وآذاه.
وقوله { لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُ } وعد مؤكد منه - سبحانه - بنصرة المظلوم، والجملة جواب قسم محذوف. أى والله لينصرن - سبحانه - المظلوم على الظالم فى الحال أو المآل.
قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } تعليل للنصرة، وبيان بأن المظلوم عندما ترك العفو عن الظالم، لا يؤاخذه - سبحانه - على ذلك، ما دام لم يتجاوز فى رد العدوان الحدود المشروعة، وهى الانتصار على القصاص بالمثل.
أى: إن الله - تعالى - لكثير العفو عن عباده، وكثير المغفرة لذنوبهم وخطاياهم.
ثم بين - سبحانه - أن نصره للمظلوم مرجعه إلى شمول قدرته على كل شىء، فقال - تعالى -: { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱللَّيْلِ }.
ومعنى: يولج: يدخل. يقال: ولج فلان منزله، إذا دخله.
أى: ذلك الذين فعلناه من نصرة المبغى عليه على الباغى، كائن بسبب أن قدرتنا لا يعجزها شىء، ومن مظاهر ذلك أننا ندخل جزءا من الليل فى النهار فيقصر الليل ويزيد النهار، وندخل جزءا من النهار فى الليل فيحصل العكس. وأنتم ترون ذلك بأعينكم، وتشاهدون كيف يسيران بهذا النظام البديع.
{ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } أى: وأن الله - تعالى - سميع لكل المسموعات، بصير لك المبصرات، لا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السماء.
وقوله - سبحانه -: { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ ٱلْبَاطِلُ.. } بيان لحقيته - عز وجل - للعبادة والطاعة والخضوع التام.
واسم الإِشارة يعود إلى ما وصف به نفسه قبل ذلك من صفات القدرة الباهرة والعلم التام.
أى: ذلك الذى تراه - أيها العاقل - فى هذا الكون من مخلوقات، ومن نصر للمظلوم، ومن إدخال الليل فى النهار وإدخال النهار فى الليل، سببه أن الله - تعالى - هو الإله الحق الذى يجب أن تعنو له الوجوه. وأن ما عداه من معبودات آلهة باطلة ما أنزل الله بها من سلطان.
{ وَأَنَّ ٱللَّهَ } - تعالى - وحده { هُوَ ٱلْعَلِيُّ } أى: العالى على جميع الكائنات بقدرته، وكل شىء دونه { ٱلْكَبِيرُ } أى: العظيم الذى لا يدانيه فى عظمته أحد.
فأنت ترى أن هذه الآيات الكريمة، قد وصفت الله - تعالى - بما هو أهل له من صفات الجلال والكمال.
ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك ما يدل على سعة فضله ورحمته بعباده فقال: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ... }.