خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلطَّيْرُ صَآفَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ
٤١
وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ
٤٢
-النور

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

الاستفهام فى قوله - تعالى -: { أَلَمْ تَرَ... } للتقرير: والرؤية: بمعنى العلم.
والتسبيح: مشتق من السبح، وهو المر السريع فى الماء أو فى الهواء. فالمسبح: مسرع فى تنزيه الله - تعالى - وتقديسه وإثبات ما يليق بجلاله من صفات الكمال.
والمعنى: لقد علمت أيها الرسول الكريم علما يشبه المشاهدة فى اليقين، أن الله - تعالى - يسبحه ويقدسه وينزهه عن كل ما لا يليق به - عز وجل - جميع من فى السموات، وجميع من فى الأرض.
وقوله - تعالى -: { وَٱلطَّيْرُ صَآفَّاتٍ } برفع، "والطير" على أنه معطوف على "من" وبنصب "صافات" على أنه حال.
أى: والطير - أيضا - تسبح لله - تعالى - حال كونها صافات أجنحتها فى الجو، دون أن يمسكها أحد إلا هو - سبحانه -.
وخص الطيور بالذكر مع أنها مندرجة تحت من فى السموات والأرض لعدم استقرارها بصفة دائمة على الأرض، فهى - فى مجموعها - تارة على الأرض، وتارة فى الجو.
وذكرها فى حال بسطها لأجنحتها لأن هذه الحالة من أعجب أحوالها، حيث تكون فى الجو باسطة لأجنحتها بدون تحريك، مما يدل على بديع صنع الله فى خلقه.
وصدق الله إذ يقول:
{ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ... } وقوله - تعالى -:{ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ } استئناف لبيان مظهر من مظاهر قدرة الله - تعالى - وحكمته، حيث ألهم - سبحانه - كل مخلوق من مخلوقاته كيفية التسبيح لخالقه - عز وجل.
والتنوين فى "كل" عوض عن المضاف إليه، والضمير المحذوف الذى هو فاعل "علم" يعود على المصلى والمسبح.
أى: كل واحد ممن يصلى لله - تعالى - ويسبح بحمده - سبحانه -، قد علم معنى صلاته ومعنى تسبيحه، فهو لم يعبد الله اتفاقا أو بلا روية، وإنما عبده - تعالى - عن قصد ونية، ولكن بكيفية نفوض معرفتها إلى الخالق - عز وجل - وحده.
ومنهم من يرى أن الضمير فى "علم" يعود إلى الله - تعالى - فيكون المعنى: كل واحد من هؤلاء المصلين والمسبحين، قد علم - سبحانه - صلاتهم وتسبيحهم له علما تاما شاملا.
قال بعض العلماء ما ملخصه: واعلم أن الأظهر أن يكون ضمير الفاعل المحذوف فى قوله { كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ } راجعا إلى المصلين والمسبحين أى: كل من المصلين قد علم صلاة نفسه، وكل من المسبحين قد علم تسبيح نفسه، لأنه على هذا القول يكون قوله - تعالى - { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } من باب التأسيس. أما على القول بأن الضمير يعود إلى الله - تعالى -. أى: كل واحد منهم قد علم الله صلاته وتسبيحه. فيكون قوله - تعالى -: { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } من باب التأكيد اللفظى، والتأسيس للأحكام أولى من التأكيد لها.
والظاهر أن الطير تسبح وتصلى صلاة وتسبيحا يعلمهما الله، ونحن لا نعلمهما كما قال - تعالى -
{ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ... } وبعد أن بين - سبحانه - أن جميع مخلوقاته تسبح بحمده وأنه - تعالى - عليم بأفعالهم لا يخفى عليه شىء منها، أتبع ذلك ببيان أن هذا الكون ملك له وحده، فقال: { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } لا لأحد غيره، لا استقلالا ولا اشتراكا، بل هو وحده - سبحانه - الملاك لهما ولمن فيهما { وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } أى: وإليه وحده مصيرهم ورجوعهم بعد موتهم، فيجازى كل مخلوق من مخلوقاته بما يستحق من ثواب أو عقاب.
ثم لفت - سبحانه - بعد ذلك أنظار عباده إلى مظاهر قدرته فى هذا الكون، حيث يزجى السحاب، ثم يؤلف بينه، ثم يجعله ركاما... وحيث نوع مخلوقاته مع أنها جميعا من أصل واحد فقال - تعالى - : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ.... }.