خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالُواْ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً
٧
أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ ٱلظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً
٨
ٱنظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً
٩
تَبَارَكَ ٱلَّذِيۤ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذٰلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً
١٠
بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيراً
١١
-الفرقان

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

ذكر بعض المفسرين فى سبب نزول هذه الآيات أن جماعة من قريش قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم إن كنت تريد بما جئت به مالا جمعنا لك المال حتى تكون أغنانا، وإن كنت تريد ملكا، جعلناك ملكا علينا...
فقال صلى الله عليه وسلم:
"ما أريد شيئاً مما تقولون، ولكن الله تعالى بعثنى إليكم رسولاً، وأنزل علي كتاباً، وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً، فبلغتكم رسالة ربي، ونصحت لكم. فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإنْ تردوه عليّ أصبر لأمر الله - تعالى - حتى يحكم بيني وبينكم" .
فقالوا: فإن كنت غير قابل شيئا مما عرضنا عليك، فسل ربك أن يبعث معك ملكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك، وسله أن يجعل لك جنانا وقصورا...
فقال لهم صلى الله عليه وسلم:
"ما أنا بفاعل، وما أنا بالذى يسأل ربه هذا، وما بعثت إليكم بهذا، ولكن الله - تعالى - بعثنى بشيرا ونذيرا" فأنزل الله تعالى فى قولهم ذلك...
والضمير فى قوله - تعالى : { وَقَالُواْ } يعود إلى مشركى قريش و "ما" استفهامية بمعنى إنكار الوقوع ونفيه، وهى مبتدأ، والجار والمجرور بعدها الخبر. وجملة "يأكل الطعام" حال من الرسول.
أى: أن مشركى قريش لم يكتفوا بقولهم إن محمد صلى الله عليه وسلم قد افترى القرآن، وإن القرآن أساطير الأولين. بل أضافوا إلى ذلك أنهم قالوا على سبيل السخرية والتهكم والإنكار لرسالته: كيف يكون محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا، وشأنه الذى نشاهده بأعيننا. أنه "يأكل الطعام" كما يأكل سائر الناس "ويمشى فى الأسواق" أى: ويتردد فيها كما نتردد طلبا للرزق. "لولا أنزل إليه ملك" أى: هلا أنزل إليه ملك يعضده ويساعده ويشهد له بالرسالة "فيكون" هذا الملك "معه نذيرا" أى: منذرا من يخالفه بسوء المصير.
"أو يلقى إليه" أى: إلى الرسول صلى الله عليه وسلم "كنز" أى: مال عظيم يغنيه عن التماس الرزق بالأسواق كسائر الناس، وأصل الكنز، جعل المال بعضه على بعض وحفظه. من كنز التمر فى الوعاء، إذا حفظه. "أو تكون له" صلى الله عليه وسلم "جنة يأكل منها" أى: حديقة مليئة بالأشجار المثمرة، لكى يأكل منها ونأكل معه من خيرها.
"وقال الظالمون" فضلا من كل ذلك "إن تتبعون" أى: ما تتبعون "إلا رجلا مسحورا" أى: مغلوبا على عقله، ومصابا بمرض قد أثر فى تصرفاته.
فأنت ترى أن هؤلاء الظالمين قد اشتمل قولهم الذى حكاه القرآن عنهم - على ست قبائح - قصدهم من التفوه بها صرف الناس عن اتباعه صلى الله عليه وسلم.
قال صاحب الكشاف عند تفسيره لهذه الآيات: أى: إن صح أنه رسول الله فما باله حاله كمحالنا "يأكل الطعام" كما نأكل، ويتردد فى الأسواق لطلب المعاش كما نتردد. يعنون أنه كان يجب أن يكون ملكا مستغنيا عن الأكل والتعيش، ثم نزلوا عن اقتراحهم أن يكون ملكا إلى، اقتراح أن يكون إنسانا معه ملك، حتى يتساندا فى الإِنذار والتخويف، ثم نزلوا - أيضا - فقالوا: وإن لم يكن مرفودا بملك، فليكن مرفودا بكنز يلقى إليه من السماء يستظهر به ولا يحتاج إلى تحصيل المعاش. ثم نزلوا فاقتنعوا بأن يكون رجلا له بستان يأكل منه ويرتزق... وأراد بالظالمين: إياهم بأعيانهم. وضع الظاهر موضع المضمر ليسجل عليهم بالظلم فيما قالوا..
وقد رد الله - تعالى - على مقترحاتهم الفاسدة، بالتهوين من شأنهم و بالتعجيب من تفاهة تفكيرهم، وبالتسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه منهم فقال: { ٱنظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً }.
أى: انظر - أيها الرسول الكريم - إلى هؤلاء الظالمين، وتعجب من تعنتهم، وضحالة عقولهم. وسوء أقاويلهم. حيث وصفوك تارة بالسحر. وتارة بالشعر. وتارة بالكهانة. وقد ضلوا عن الطريق المستقيم فى كل ما وصفوك به. وبقوا متحيرين فى باطلهم، دون أن يستطيعوا الوصول إلى السبيل الحق. وإلى الصراط المستقيم.
فالآية الكريمة تعجيب من شأنهم، واستعظام لما نطقوا به. وحكم عليهم بالخيبة والضلال، وتسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما قالوه فى شأنه.
ثم أضاف - سبحانه - إلى هذه التسلية. تسلية أخرى لرسوله صلى الله عليه وسلم فقال - تعالى -: { تَبَارَكَ ٱلَّذِيۤ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذٰلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً }.
أى: جل شأن الله تعالى، وتكاثرت خيراته، فهو - سبحانه - الذى - إن شاء - جعل لك فى هذه الدنيا - أيها الرسول الكريم - خيرا من ذلك الذى اقترحوه من الكنوز والبساتين، بأن يهبك جنات عظيمة تجرى من تحت أشجارها الأنهار، ويهبك قصورا فخمة ضخمة.
ولكنه - سبحانه - لم يشأ ذلك، لأن ما ادخره لك من عطاء كريم خير وأبقى.
فقوله - تعالى -: { إِن شَآءَ } كلام معترض لتقييد عطاء الدنيا، أى: إن شاء أعطاك فى الدنيا أكثر مما اقترحوه، أما عطاء الآخرة فهو محقق ولا قيد عليه.
وقوله - سبحانه -: { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } تفسير لقوله: { خَيْراً مِّن ذٰلِكَ } فهو بدل أو عطف بيان.
ثم انتقل - سبحانه - من الحديث عن قبائحهم المتعلقة بوحدانية الله تعالى، وبشخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحديث عن رذيلة أخرى من رذائلهم المتكاثرة، ألا وهى إنكارهم للبعث والحساب، فقال - تعالى -: { بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيراً }. أى؛ إن هؤلاء الكافرين لم يكتفوا باتخاذ آلهة من دون الله - تعالى -، ولم يكتفوا بالسخرية من رسوله صلى الله عليه وسلم بل أضافوا إلى ذلك أنهم كذبوا بيوم القيامة وما فيه من بعث وحشر وثواب وعقاب. والحال أننا بقدرتنا وإرادتنا قد أعددنا وهيأنا لمن كذب بهذا اليوم سعيرا. أى: نارا عظيمة شديدة الاشتعال.
وقال - سبحانه -: { وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ } ولم يقل: لمن كذب بها. للمبالغة فى التشنيع عليهم، والزجر لهم، إذ أن التكذيب بها كفر يستحق صاحبه الخلود فى النار المستعرة.
ثم صور - سبحانه - حالهم عندما يعرضون على النار، وهلعهم عندما يلقون فيها، كما بين - سبحانه - حال المتقين وما أعد لهم من نعيم مقيم، فقال - تعالى -: { إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن... }.