خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ إِفْكٌ ٱفْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَآءُوا ظُلْماً وَزُوراً
٤
وَقَالُوۤاْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً
٥
قُلْ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً
٦
-الفرقان

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

الإفك: أسوأ الكذب. يقال: أفك فلان - كضرب وعلم - أفكا، إذا قال أشنع الكذب وأقبحه.
والزور فى الأصل: تحسين الباطل. مأخوذ من الزورِ وهو الميل وأطلق على الباطل زور لما فيه من الميل عن الصدق إلى الكذب، ومن الحق إلى ما يخالفه.
أى: وقال الذين كفروا فى شأن القرآن الكريم الذى أنزله الله - تعالى - على نبيه صلى الله عليه وسلم، ما هذا إلا كذب وبهتان { ٱفْتَرَاهُ } واختلقه محمد صلى الله عليه وسلم من عند نفسه، { وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ } أى وأعانه وساعده على هذا الاختلاق { قَوْمٌ آخَرُونَ } من اليهود أو غيرهم، كعداس - مولى حويطب بن عبد العزى - ويسار - مولى العلاء بن الحضرمى - وأبى فكيهة الرومى. وكان هؤلاء من أهل الكتاب الذين أسلموا.
وقوله - تعالى -: { فَقَدْ جَآءُوا ظُلْماً وَزُوراً } رد على أقوال الكافرين الفاسدة وجاءوا بمعنى فعلوا، وقوله: { ظُلْماً } منصوب به. والتنوين للتهويل.
أى: فقد فعل هؤلاء الكافرون بقولهم هذا ظلما عظيما وزورا كبيرا، حيث وضعوا الباطل موضع الحق، والكذب موضع الصدق.
ويصح أن يكون قوله: { ظُلْماً } منصوبا بنزع الخافض أى: فقد جاءوا بظلم عظيم، وكذب فظيع، انحرفوا به عن جادة الحق والصواب.
ثم حكى - سبحانه - مقولة أخرى من مقولاتهم الفاسدة فقال: { وَقَالُوۤاْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً }.
والأساطير: جمع أسطورة بمعنى أكذوبة واكتتبها: أى: أمر غيره بكتابتها له. أو جمعها من بطون كتب السابقين.
أى: أن هؤلاء الكافرين لم يكتفوا بقولهم السابق فى شأن القرآن، بل أضافوا إلى ذلك قولا آخر أشد شناعة وقبحا، وهو زعمهم أن هذا القرآن أكاذيب الأولين وخرافاتهم، أمر الرسول صلى الله عليه وسلم غيره بكتابتها له، وبجمعها من كتب السابقين { فَهِيَ } أى: هذه الأساطير { تُمْلَىٰ عَلَيْهِ } أى: تلقى عليه صلى الله عليه وسلم بعد اكتتابها ليحفظها ويقرأها على أصحابه { بُكْرَةً وَأَصِيلاً } أى: فى الصباح والمساء أى: تملى عليه خفية فى الأوقات التى يكون الناس فيها نائمين أو غافلين عن رؤيتهم.
وقد أمر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم بالرد عليهم بما يخرس ألسنتهم فقال: { قُلْ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ.. }.
أى: قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء الذين زعموا أن القرآن أساطير الأولين، وأنك افتريته من عند نفسك، وأعانك على هذا الافتراء قوم آخرون.... قل لهم: كذبتم أشنع الكذب وأقبحه، فأنتم أول من يعلم بأن هذا القرآن له من الحلاوة والطلاوة، وله من حسن التأثير ما يجعله - باعتراف - زعمائكم ليس من كلام البشر وإنما الذى أنزله علىَّ هو الله - تعالى - الذى يعلم السر فى السموات والأرض، أى: يعلم ما خفى فيها ويعلم الأسرار جميعها فضلا عن الظواهر.
قال الآلوسى: "قل" لهم ردا عليهم وتحقيقا للحق: أنزله الله - تعالى - الذى لا يعزب عن علمه شىء من الأشياء، وأودع فيه فنون الحكم والأسرار على وجه بديع، لا تحوم حوله الأفهام، حيث أعجزكم قاطبة بفصاحته وبلاغته، وأخبركم بمغيبات مستقبلة، وأمور مكنونة، لا يهتدى إليها ولا يوقف - إلا بتوفيق الله - تعالى - العليم الخبير عليها...
ثم ختم - سبحانه - الآية بما يفتح باب التوبة للتائبين، وبما يحرضهم على الإيمان والطاعة لله رب العالمين فقال - تعالى -: { إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }.
أى: إنه - سبحانه - واسع المغفرة والرحمة، لمن ترك الكفر وعاد إلى الإيمان، وترك العصيان وعاد إلى الطاعة.
قال الإمام ابن كثير: وقوله: { إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } دعاء لهم إلى التوبة والإنابة، وإخبار بأن رحمته واسعة، وأن حلمه عظيم وأن من تاب إليه تاب عليه، فهؤلاء مع كذبهم. وافترائهم. وفجورهم. وبهتهم. وقولهم عن الرسول والقرآن ما قالوا، يدعوهم - سبحانه - إلى التوبة والإقلاع عما هم عليه من كفر إلى الإسلام والهدى. كما قال - تعالى -:
{ لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَىٰ ٱللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } )... قال الحسن البصرى: انظروا إلى هذا الكرم والجود. قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة.
ثم حكى - سبحانه - بعد ذلك شبهة ثالثة، تتعلق بشخصية النبى صلى الله عليه وسلم حيث أنكروا أن يكون الرسول من البشر وأن يكون آكلا للطعام وماشيا فى الأسواق، فقال - تعالى -: { وَقَالُواْ مَالِ هَـٰذَا.... }.