خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ٱئْتِ ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ
١٠
قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ
١١
قَالَ رَبِّ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ
١٢
وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ
١٣
وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ
١٤
قَالَ كَلاَّ فَٱذْهَبَا بِآيَاتِنَآ إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ
١٥
فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
١٦
أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ
١٧
-الشعراء

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

موسى - عليه السلام - هو ابن عمران، وينتهى نسبه إلى يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم - عليهم السلام - ويرجح المؤرخون أن ولادته كانت فى القرن الثالث عشر قبل ميلاد عيسى - عليه السلام - وأن بعثته كانت فى عهد منفتاح بن رمسيس الثانى.
وقد وردت قصة موسى مع فرعون وقومه، ومع إسرائيل فى كثير من سور القرآن الكريم تارة بصورة فيها شىء من التفصيل، وتارة بصورة فيها شىء من الاختصار والتركيز، تبعا لمقتضى الحال الذى وردت من أجله.
وقد وردت هنا وفى سورة الأعراف وفى سورة طه. وفى سورة القصص بأسلوب فيه بسطة وتفصيل.
لقد افتتحت هنا بقوله - تعالى -: { وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ٱئْتِ ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }.
وهذا النداء كان بالوادى المقدس طوى، كما جاء فى سورة طه وفى سورة النازعات.
أى: واذكر - أيها الرسول الكريم - وقت أن نادى ربك نبيه موسى قائلا له: اذهب إلى القوم الظالمين لتبلغهم رسالتى، وتأمرهم بإخلاص العبادة لى.
وقوله: { قَوْمَ فِرْعَوْنَ } بدل أو عطف بيان، ووصفهم - سبحانه - بالظلم لعبادتهم لغيره، ولعدوانهم على بنى إسرائيل بقتل الذكور، واستبقاء النساء.
وقوله : - تعالى - { أَلا يَتَّقُونَ } تعجيب من حالهم. أى: ائتهم يا موسى وقل لهم: ألا يتقون الله - تعالى - ويخشون عقابه. ويكفون عن كفرهم وظلمهم.
ثم حكى - سبحانه - رد موسى فقال: { قَالَ رَبِّ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ }.
أى: قال موسى فى الإِجابة على ربه - عز وجل -: يا رب إنى أعرف هؤلاء القوم، وأعرف ما هم عليه من ظلم وطغيان، وإنى أخاف تكذيبهم لى عندما أذهب إليهم لتبليغ وحيك { وَيَضِيقُ صَدْرِي } أى: وينتابنى الغم والهم بسبب تكذيبهم لى..
{ وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِي } أى: وليس عندى فصاحة اللسان التى تجعلنى أظهر ما فى نفسى من تفنيد لأباطيلهم، ومن إزهاق لشبهاتهم، خصوصا عند اشتداد غضبى عليهم.
{ فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ } أى: فأرسل وحيك الأمين إلى أخى هارون، ليكون معينا لى على تبليغ ما تكلفنى بتبليغه.
{ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ } حيث إنى قتلت منهم نفسا { فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } عندما أذهب إليهم، على سبيل القصاص منى.
فأنت ترى أن موسى - عليه السلام - قد شكا إلى ربه خوفه من تكذيبهم وضيق صدره من طغيانهم، وعقدة فى لسانه، وخشيته من قتلهم له عندما يرونه.
وليس هذا من باب الامتناع عن أداء الرسالة، أو الاعتذار عن تبليغها. وإنما هو من باب طلب العون من الله - تعالى - والاستعانة به - عز وجل - على تحمل هذا الأمر والتماس الإِذن منه - فى إرسال هارون معه. ليكون عونا له فى مهمته، وليخلفه فى تبليغ الرسالة فى حال قتلهم له..
وشبيه بهذا الجواب ما حكاه عنه - سبحانه - فى سورة طه فى قوله - تعالى -:
{ ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِي وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُواْ قَوْلِي وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِيۤ أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً } وقد رد الله - تعالى - على نبيه موسى - عليه السلام - ردا حاسما لإِزالة الخوف، ومزهقا لكل ما يحتمل أى يساور نفسه من عدوان عليه، فقال - تعالى -: { قَالَ كَلاَّ فَٱذْهَبَا بِآيَاتِنَآ إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ }.
أى: قال الله - تعالى - لموسى على سبيل الإِرشاد والتعليم: كلا، لا تخف أن يكذبوك أو أن يضيق صدرك، أو أن لا ينطلق لسانك، أو أن يقتلوك، كلا لا تخف من شىء من ذلك، فأنا معكما برعايتى ومادام الأمر كذلك فاذهب أنت وأخوك بآياتنا الدالة على وحدانيتنا فإننا معكم سامعون لما تقولانه لهم ولما سيقولونه لكما.
وعبر - سبحانه - بكلا المفيدة للزجر، لزيادة إدخال الطمأنينة على قلب موسى - عليه السلام -.
والمراد بالآيات هنا: المعجزات التى أعطاها - سبحانه - لموسى وعلى رأسها العصا...
وقال - سبحانه - { إِنَّا مَعَكُمْ } مع أنهما اثنان، تعظيما لشأنهما أو لكون الاثنين أقل الجمع. أو المراد هما ومن أرسلا إليه.
والتعبير بقوله { إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ } بصيغة التأكيد والمعية والاستماع، فيه ما فيه من العناية بشأنهما، والرعاية لهما، والتأييد لأمرهما.
والفاء فى قوله: { فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } لترتيب ما بعدها على ما قبلها من الوعد برعايتهما.
و "أن" فى قوله { أَنْ أَرْسِلْ } مفسرة. لتضمن الإِرسال المفهوم من الرسول معنى القول.
أى: اذهبا وأنتما متسلحان بآياتنا الدالة على صدقكما، فنحن معكم برعايتنا وقدرتنا. فأتيا فرعون بدون خوف أو وجل منه { فَقُولاۤ } له بكل شجاعة وجراءة { إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أى: رب جميع العوالم التى من بينها عالم الجن. وعالم الملائكة.
وقد أرسلنا - سبحانه - إليك، لكى تطلق سراح بنى إسرائيل من ظلمك وبغيك، وتتركهم يذهبون معنا إلى أرض الله الواسعة لكى يعبدوا الله - تعالى - وحده.
قال الآلوسى: "وإفراد الرسول فى قوله { إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } لأنه مصدر بحسب الأصل، وصف به كما يوصف بغيره من المصادر للمبالغة، كرجل عدل... أو لوحدة المرسل أو المرسل به - أى: لأنهما ذهبا برسالة واحدة وفى مهمة واحدة".
وإلى هنا تكون الآيات الكريمة قد قصت علينا، ما أمر الله - تعالى - به نبيه موسى - عليه السلام - وما زوده به - سبحانه - من إرشاد وتعليم، بعد أن التمس منه - سبحانه - العون والتأييد.
ثم حكى - سبحانه - بعد ذلك ما دار بين موسى وفرعون من محاورات فقال - تعالى -: { قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ... }.