خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

كَذَّبَتْ ثَمُودُ ٱلْمُرْسَلِينَ
١٤١
إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ
١٤٢
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ
١٤٣
فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ
١٤٤
وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
١٤٥
أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَآ آمِنِينَ
١٤٦
فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
١٤٧
وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ
١٤٨
وَتَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ
١٤٩
فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ
١٥٠
وَلاَ تُطِيعُوۤاْ أَمْرَ ٱلْمُسْرِفِينَ
١٥١
ٱلَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ
١٥٢
قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ
١٥٣
مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ
١٥٤
قَالَ هَـٰذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ
١٥٥
وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ
١٥٦
فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ
١٥٧
فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ
١٥٨
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ
١٥٩
-الشعراء

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

قد وردت قصة صالح مع قومه فى سور أخرى منها الأعراف، وهود ، والنمل، والقمر.. وثمود اسم للقبيلة التى أرسل إليها صالح - عليه السلام - والثمد: الماء القليل ... وكانوا يعبدون الأصنام، فأرسل الله - تعالى - واحد منهم - هو صالح - لكى يأمرهم بعبادة الله وحده.
وما زالت مساكنهم تعرف إلى الآن بمدائن صالح، فى المنطقة التى بين المدينة المنورة والشام، وقد مر النبى صلى الله عليه وسلم على ديارهم وهو متوجه إلى غزوة تبوك..
وقد نصح صالح قومه، بما نصح به هود ونوح قومهما من قبله، فقد أمرهم بتقوى الله وصارحهم بصدقه معهم، وبتعففه عن تعاطى الأجر على نصحه لهم.
ثم وعظهم بما يرقق القلوب، وبما يحمل العقلاء على شرك الله - تعالى - على نعمه فقال لهم: { أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَآ آمِنِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ.. }.
والاستفهام للإِنكار. والطلع: اسم من الطلوع وهو الظهور، وأصله ثمر النخل فى أول ما يطلع، وهو بعد التلقيح يسمى خلالا - بفتح الخاء - ثم يصير بسرا، فرطبا، فتمرا.
والهضيم: اليانع والنضيج، أو الرطب اللين اللذيذ الذى تداخل بعضه فى بعض وهو وصف للطلع الذى قصد به الثمار الناضجة الطيبة لصيرورته إليها.
والمعنى: أتظنون أنكم متروكون بدون حساب أو سؤال من خالقكم - عز وجل - وأنتم تتقلبون فى نعمه التى منها ما أنتم فيه من بساتين وأنهار وزروع كثيرة متنوعة.
إن كنتم تظنون ذلك، فأقلعوا عن هذا الظن، واعتقدوا بأنكم أنتم وما بين أيديكم من نعم، إلى زوال، وعليكم أن تخلصوا لخالقكم العبادة والشكر لكى يزيدكم من فضله..
فأنت ترى أن - صالحا - عليه السلام قد استعمل مع قومه أرق ألوان الوعظ، لكى يوقظ قلوبهم الغافلة، نحو طاعة الله - تعالى - وشكره، وقد استعمل فى وعظه لفت أنظارهم إلى ما يتقلبون فيه من نعم تشمل البساتين والعيون، والزروع المتعددة، والنخيل الجيدة الطلع، اللذيذة الطعم، حتى لكأن ثمرها لجودته ولينه، لا يحتاج إلى هضم فى البطون.
ثم ذكرهم بنعمة أخرى، وكرر عليهم الأمر بتقوى الله فقال: { وَتَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ }.
وقوله: { وَتَنْحِتُونَ } معطوف على { أَتُتْرَكُونَ } فهو داخل فى حيز الإِنكار عليهم، لعدم شكرهم لله - تعالى - والنحت: البرى. يقال: نحت فلان الحجر نحتا إذا براه وأعده للبناء.
و { فَارِهِينَ } أى: ماهرين حاذقين فى نحتها. من فره - ككرم - فراهة. إذا برع فى فعل الشىء، وعرف غوامضه ودقائقه.
قال القرطبى: وقرأ ابن كثير وابو عمرو: { فَارِهِينَ } بغير ألف فى الفاء. وهى بمعنى واحد.. وفرق بينهما قوم فقالوا: { فَارِهِينَ } أى حاذقين فى تحتها... وفرهين - بغير ألف - أى: أشرين بطرين فرهين..
أى: وأنهاكم - أيضا - عن انهماككم فى نحت الحجارة من الجبال بمهارة وبراعة، لكى تبنوا بها بيوتا وقصورا بقصد الأشر والبطر، لا يقصد الإِصلاح والشكر لله - فمحل النهى إنما هو قصد الأشر والبطر فى البناء وفى النحت.
ثم نهاهم عن طاعة المفسدين فى الأرض بعد أن أمرهم بتقوى الله فقال: { وَلاَ تُطِيعُوۤاْ أَمْرَ ٱلْمُسْرِفِينَ ٱلَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ }.
أى: اجعلوا طاعتكم لله - تعالى - وحده، ولى بصفتى رسوله إليكم، واتركوا طاعة زعمائكم وكبرائكم المسرفين فى إصرارهم على الكفر والجحود والذين من صفاتهم أنهم يفسدون فى الأرض فسادا لا يخالطه إصلاح.
قال الآلوسى: قوله: { وَلاَ تُطِيعُوۤاْ أَمْرَ ٱلْمُسْرِفِينَ .. } كأنه عنى بالخطاب جمهور قومه. وبالمسرفين كبراءهم فى الكفر والإِضلال. وكانوا تسعة رهط... والإِسراف: تجاوز الحد فى كل أمر.. والمراد به هنا: زيادة الفساد... والمراد بالأرض: أرض ثمود. وقيل: الأرض كلها. ولما كان قوله { يُفْسِدُونَ } لا ينافى إصلاحهم أحيانا أردفه بقوله - تعالى -: { وَلاَ يُصْلِحُونَ } لبيان كمال إفسادهم. وأنه لم يخالطه إصلاح أصلا.
ولكن هذا النصح الحكيم من صالح لقومه، لم يقابل منهم بأذن صاغية، بل قابلوه بالتطاول والاستهتار وإنكار رسالته { قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ }.
أى: قال قوم صالح له: أنت لست إلا من الذين غلب عليهم السحر، وأثر فى عقولهم، فصاروا يتكلمون بكلام المجانين. وما أنت - أيضا - إلا بشر مثلنا تأكل الطعام كما نأكل. وتشرب الشراب كما نشرب... فإن كنت رسولا حقا فأتنا بعلامة ومعجزة تدل على صدقك فى دعواك الرسالة وكأنهم - لجهلهم وانطماس بصائرهم - يرون أن البشرية تتنافى مع النبوة والرسالة، وتضرع صالح - عليه السلام - إلى ربه - عز وجل - أن يمنحه معجزة لعلها تكون سببا فى هداية قومه، وأجاب الله - تعالى - تضرعه، فقال - سبحانه -: { قَالَ هَـٰذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ }.
قال ابن كثير: ثم إنهم اقترحوا عليه آية يأتيهم بها، ليعلموا صدقه بما جاءهم به من ربهم، فطلبوا منه أن يخرج لهم الآن من صخرة عندهم ناقة عُشرَاء من صفتها كذا وكذا. فعند ذلك أخذ عليهم صالح العهود والمواثيق، لئن أجابهم إلى ما سألوا ليؤمنن به، فأنعموا بذلك - أى: قالوا نعم - فقام نبى الله صالح فصلى، ثم دعا ربه أن يجيبهم على سؤالهم، فانفطرت تلك الصخرة التى أشاروا إليها. عن ناقة عشراء. على الصفة التى وصفوها. فآمن بعضهم وكفر أكثرهم".
والمعنى: قال لهم صالح - عليه السلام - بعد أن طلبوا منه معجزة تدل على صدقه: هذه ناقة { لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } أى: لها نصيب معين من الماء، ولكم نصيب آخر منه، وليس لكم أن تشربوا منه فى يوم شربها. وليس لها أن تشرب منه فى يوم شربكم، واحذروا أن تمسوها بسوء - كضرب أو قتل - فيأخذكم عذاب يوم عظيم.
ووصف اليوم بالعظم لعظم ما يحل فيه من عذاب ينزل بهم إذا مسوها بسوء ولكن قومه لم يفوا بعهودهم { فَعَقَرُوهَا } أى: فعقروا الناقة التى هى معجزة نبيهم. وأسند العقر إليهم جميعا. مع أن الذى عقرها بعضهم، لأن العقر كان برضاهم جميعا، كما يرشد إليه قوله - تعالى - فى آية أخرى:
{ فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ } وقوله { فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ } بيان لما ترتب على عقرهم لها. وندمهم إنما كان سبب خوفهم من وقوع العذاب عليهم بسبب ذلك، ولم يكن بسبب إيمانهم وتوبتهم. أو أن ندمهم جاء فى غير أوانه، كما يشعر بذلك قوله - تعالى: { فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ } أى أن العذاب نزل بهم فى أعقاب عقرهم لها، بدون تراخ أو إمهال، وكان عذابهم أن أخذتهم الرجفة وتبعتها الصيحة التى صاحها بهم جبريل فأصبحوا فى ديارهم جاثمين، ثم يجىء التعقيب السابق: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }.
ثم جاءت بعد ذلك قصة لوط. مع قومه، فقال - تعالى -: { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلِينَ... }.