خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ
٤٣
فَأَلْقَوْاْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ ٱلْغَالِبُونَ
٤٤
فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ
٤٥
فَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سَاجِدِينَ
٤٦
قَالُواْ آمَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٤٧
رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ
٤٨
قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ
٤٩
قَالُواْ لاَ ضَيْرَ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ
٥٠
إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَآ أَن كُنَّآ أَوَّلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
٥١
-الشعراء

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

{ قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ } أى للسحرة بعد أن أعدوا عدتهم لمنازلته، ومن خلفهم فرعون وقومه يشجعونهم على الفوز قال لهم: { أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ } من السحر، فسوف ترون عاقبة منازلتكم له.
وأسلوب الآية الكريمة يشعر بعدم مبالاة موسى - عليه السلام - بهم أو بتلك الحشود التى من ورائهم، فهو مطمئن إلى نصر الله - سبحانه - له.
{ فَأَلْقَوْاْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُواْ } أى: عند إلقائهم لتلك الحبال والعصى { بِعِزَّةِ فِرْعَونَ } أى: بقوته وجبروته وسطوته { إِنَّا لَنَحْنُ ٱلْغَالِبُونَ } لا موسى - عليه السلام - ولم تفصل السورة هنا ما فصلته سورة الأعراف من أنهم حين ألقوا حبالهم وعصيهم
{ سَحَرُوۤاْ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَآءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ } أو ما وضحته سورة طه من أنهم حين ألقوا حبالهم: { أَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ } ولعل السر فى عدم التفصيل هنا، أن السورة الكريمة تسوق الأحداث متتابعة تتابعا سريعا، تربط معها قلب القارىء وعقله بما ستسفر عنه هذه الأحداث من ظهر الحق، ومن دحور الباطل.
ولذا جاء التعقيب السريع بما فعله موسى - عليه السلام - فقال - تعالى -: { فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ } أى: تبتلع بسرعة، وتأخذ بقسوة { مَا يَأْفِكُونَ } أى: ما فعلوه وما يفعلونه من السحر، الذي يقلبون به حقائق الأشياء عن طريق التمويه والتخييل. ورأى السحرة بأعينهم ومعهم الحشود من خلفهم، رأوا ما أجراه الله - تعالى - على يد موسى - عليه السلام - رأوا كل ذلك فذهلوا وبهروا وأيقنوا أن ما جاء به موسى ليس سحرا وإنما هو شىء آخر فوق طاقة البشر، ولو كان سحرا لعرفوه فهم رجاله، وأيضا لو كان سحرا لبقيت حبالهم وعصيهم على الأرض، ولكنها ابتلعتها عصا موسى - عليه السلام - عندئذ لم يتمالكوا أنفسهم، بل فعلوا ما حكاه القرآن عنهم فى قوله - سبحانه -: { فَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سَاجِدِينَ } أى: فخروا ساجدين على وجوههم بدون تردد، وهم يقولن: { آمَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ }.
وهكذا بعد أن شاهد السحرة الحق يتلألأ أمام أبصارهم. لم يملكوا إلا أن ينطقوا به على رءوس الأشهاد، وتحولوا من قوم يلتمسون الأجر من فرعون قائلين:
{ أَإِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَالِبِينَ } إلى قوم آخرين هجروا الدنيا. ومغانمها، واستهانوا بالتهديد والوعيد، ونطقوا بكلمة الحق فى وجه من كانوا يقسمون بعزته إنا لنحن الغالبون.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول فى حديثه الذى رواه الشيخان:
"ما من قلب إلاَّ وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن، إنْ شاء أقامه، وإنْ شاء أزاغه" .
ثم يحكى - سبحانه - بعد ذلك موقف فرعون وقد رأى ما حطمه وزلزله فقال - تعالى -: { قَالَ } أى فرعون للسحرة { آمَنتُمْ لَهُ } أى: لموسى { قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ } بالإِيمان به...
{ إِنَّهُ } أى: موسى - عليه السلام - { لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ } أى: فأنتم متواطئون معه على هذه اللعبة { فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } ما أنزله بكم من عذاب.
{ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ } أى: لأقطعن من كل واحد منكم يده اليمنى مع رجله اليسرى. { وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } أى: فى جذوع النخل - كما جاء فى آية أخرى - والمتأمل فى قول فرعون - كما حكاه القرآن عنه يرى فيه الطغيان والكفر، فهو يستنكر على السحرة إيمانهم بدون إذن.
ويرى فيه الكذب الباطل الذى قصد من ورائه تشكيك قومه فى صدق موسى وفى نبوته فهو يقول لهم: { إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ }.
ويرى فيه بعد هذا التلبيس على قومه، التهديد الغليظ - شأن الطغاة فى كل زمان ومكان - فهو يقول للسحرة الذين صاروا مؤمنين: { فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } أى: بدون استثناء لواحد منهم.
ولم يتلفت السحرة إلى هذا التهديد والوعيد بعد أن استقر الإِيمان فى قلوبهم، بل قالوا - كما حكى القرآن عنهم -: { لاَ ضَيْرَ } مصدر ضاره الأمر يضوره ويضيره ضيرا، أى: ضره وألحق به الأذى.
أى: قالوا - بكل ثبات وعدم مبالاة بوعيده - لا ضرر علينا من عقابك فسنتحمله صابرين فى سبيل الحق الذى آمنا به.
{ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ } أى: راجعون إليه، فيجازينا على صبرنا.
{ إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَآ } التى وقعنا فيها قبل الإيمان، كعبادة فرعون وكتعاطى السحر { أَن كُنَّآ } أى: لأن كنا { أَوَّلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } بالحق بعد أن جاءنا.
ثم ختم - سبحانه - هذه القصة ببيان ما أمر به نبيه موسى - عليه السلام - وما حل بفرعون وقومه من هلاك بسبب كفرهم وبغيهم، فقال - تعالى -: { وَأَوْحَيْنَآ... }.