خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَٰواْ أَضْعَٰفاً مُّضَٰعَفَةً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
١٣٠
وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيۤ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ
١٣١
وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
١٣٢
وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ
١٣٣
ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ
١٣٤
وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
١٣٥
أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ
١٣٦
-آل عمران

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

قال الإِمام الرازى ما ملخصه: اعلم أن من الناس من قال: إن الله - تعالى - لما شرح عظيم نعمه على المؤمنين فيما يتعلق بإرشادهم إلى الأصلح لهم فى أمر الدين وفى أمر الجهاد، أتبع ذلك بما يدخل فى الأمر والنهى والترغيب والترهيب فقال: { يَآ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً }.
وقال القفال: يحتمل أن تكون هذه الآية متصلة بما قبلها من جهة أن المشركين فى غزوة أحد أنفقوا على عساكرهم أموالا كثيرة جمعوها من الربا، ولعل ذلك يصير داعياً للمسلمين إلى الإِقدام على الربا حتى يجمعوا المال وينفقوه على العسكر، ويتمكنوا من الانتقام منهم، فلا جرم نهاهم الله عن ذلك.
وكان الرجل فى الجاهلية إذا كان له على إنسان مائة درهم - مثلا - إلى أجل، فإذا حل الأجل ولم يكن المدين واجدا لذلك المال قال: زدنى فى المال حتى أزيد فى الأجل، فربما جعله مائتين، ثم إذا حل الأجل الثانى فعل مثل ذلك ثم إلى آجال كثيرة، فيأخذ بسبب تلك المائة أضعافها فهذا هو المراد من قوله { أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً }.
وقد ابتدأ - سبحانه - الآية بالنداء بقوله { يَآ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } لبيان أن أكل الربا ليس من شأن المؤمنين، وإنما هو من سمات الكافرين والفاسقين.
وإذا كان الكافرون يستكثرون من تعاطى الربا فعلى المؤمنين أن يجتنبوا هذا الفعل القبيح، وأن يتحروا الحلال فى كل أمورهم.
وخصه بالنهى لأنه كان شائعاً فى ذلك الوقت، ولأنه - كما يقول القرطبى - هو الذى أذن فيه بالحرب فى قوله - تعالى -
{ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } والحرب يؤذن بالقتل، فكأنه يقول لهم: إن لم تتقوا الربا هزمتم وقتلتم.
والمراد من الأكل الأخذ، وعبر عنه بالأكل لما أنه معظم ما يقصد به، ولشيوعه فى المأكولات مع ما فيه من زيادة التشنيع.
والربا معناه الزيادة، والمراد بها هنا تلك الزيادة التى كانت تضاف على الدين.
قال الإِمام ابن جرير: عن عطاء قال: كانت ثقيف تداين بنى المغيرة فى الجاهلية، فإذا حل الأجل قالوا: نزيدكم وتؤخرون.
وقال ابن زيد: كان أبى - زيد بن ثابت - يقول: إنما كان ربا الجاهلية فى التضعيف. يكون للرجل على الرجل دين فيأتيه إذا حل الأجل فيقول له: "تقضينى أو تزيدنى".
وقوله { أَضْعَافاً } حال من الربا، وقوله { مُّضَاعَفَةً } صفة له.
والأضعاف جمع ضعف. وضعف الشىء مثله، وضعفاه مثلاه، وأضعافه أمثاله.
وهذا القيد وهو قوله "أضعافا مضاعفة" ليس لتقييد النهى به، أى ليس النهى عن أكل الربا فى هذه الحالة وإباحته فى غيرها، بل هذا القيد لمراعاة الواقع، ولبيان ما كانوا عليه فى الجاهلية من التعامل الفاسد المؤدى إلى استئصال المال، ولتوبيخ من كان يتعاطى الربا بتلك الصورة البشعة.
وقد حرم الله - تعالى - أصل الربا ومضاعفته، ونفر منه تنفيراً شديداً، فقال - تعالى -
{ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَا وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَا } وهذا النوع من الربا الذى نهى الله - تعالى - عنه هنا بقوله: { يَآ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً } هو الذى يسمى عند الصحابة والفقهاء بربا النسيئة، أو ربا الجاهلية وقد حرمه الإِسلام تحريماً قاطعا. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى خطبة الوداع: "ألا إن ربا الجاهلية موضوع - أى مهدر - وأول ربا أبدأ به ربا عمى العباس بن عبد المطلب" .
وقال الإِمام أحمد بن حنبل: إن ربا النسيئة يكفر من يجحد تحريمه.
ويقابل هذا النوع من الربا، ربا البيوع وهو الذى ورد فى حديث النبى صلى الله عليه وسلم الذى يقول فيه:
"البر بالبر مثلا بمثل يدا بيد، والذهب بالذهب مثلا بمثل يدا يد والفضة بالفضة مثلا بمثل يدا بيد والشعير بالشعير مثلا بمثل يدا بيد، والتمر بالتمر مثلا بمثلا يدا بيد، والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى" .
وقد اتفق العلماء على أن بيع هذه الأصناف لا بد أن يكون بغير زيادة إذا كانت بمثلها كقمح بقمح، ولا بد من قبضها. وإذا اختلف الجنس كقمح بشعير جازت الزيادة، ولا بد من القبض فى المجلس، والتأخير يسمى ربا النساء، والزيادة المحرمة تسمى ربا الفضل.
وللفقهاء فى هذا الموضوع مباحث طويلة فليرجع إليها من شاء فى مظانها. ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بأمر المؤمنين بخشيته وتقواه فقال: { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }.
أى: واتقوا الله بأن تجعلوا بينكم وبين محارمه ساترا ووقاية، لعلكم بذلك تنالون الفلاح فى الدنيا والآخرة.
ثم حذرهم - سبحانه - من الأعمال التى تفضى بهم إلى النار فقال: { وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيۤ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ }.
أى: صونوا أنفسكم. واحترزوا من الوقوع فى الأعمال السيئة كتعاطى الربا وما يشابه ذلك، لأن الوقوع فى هذه الأعمال السيئة يؤدى بكم إلى دخول النار التى هيئت للكافرين.
وفى التعقيب على النهى عن تعاطى الربا بتقوى الله وباتقاء النار، إشعار بأن الذى يأكل الربا يكون بعيدا عن خشية الله وعن مراقبته، ويكون مستحقا لدخول النار التى أعدها الله - تعالى - للكافرين والفاسقين عن أمره.
قال صاحب الكشاف: "كان أبو حنيفة - إذا قرأ هذه الآية { وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيۤ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } يقول: هى أخوف آية فى القرآن، حيث أوعد الله المؤمنين بالنار المعدة للكافرين إن لم يتقوه فى اجتناب محارمه".
ثم بعد هذا التحذير الشديد للمؤمنين من ارتكاب ما نهى الله عنه، أمرهم - سبحانه - بطاعته وطاعة رسوله فقال: { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }.
أى أطيعوا الله فى كل ما أمركم به ونهاكم عنه، وأطيعوا الرسول الذى أرسله إليكم ربكم لهدايتكم وسعادتكم، لعلكم بهذه الطاعة تكونون فى رحمة من الله، فهو القائل وقوله الحق
{ إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } وفى ذكر طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم مقترنة بطاعة الله - تعالى - تنبيه إلى أن طاعة الرسول طاعة لله. فقد قال - تعالى - { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } ثم أمرهم - سبحانه - بالمبادرة إلى الأعمال الصالحة التى توصلهم إلى مغفرة الله ورضوانه فقال: { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }.
قال الآلوسى: وسبب نزول هذه الآية على ما أخرجه عبد بن حميد وغيره عن عطاء بن أبى رباح: أن المسلمين قالوا: يا رسول الله. بنو إسرائيل كانوا أكرم على الله منا، كانوا إذا أذنب أحدهم ذنبا أصبحت كفارة ذنبه مكتوبة فى عتبة داره أجدع أنفك، أجدع أذنك، افعل كذا وكذا فسكت صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآيات إلى قوله { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً } الآية فقال النبى صلى الله عليه وسلم ألا أخبركم بخير من ذلكم ثم تلاها عليهم".
وقوله: { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } من السرعة بمعنى المبادرة إلى الشىء بدون تأخير أو تردد. والكلام على حذف مضاف: أى سارعوا وبادروا إلى ما يوصلكم إلى ما به تظفرون بمغفرة ربكم ورحمته ورضوانه وجنته، بأن تقوموا بأداء ما كلفكم به من واجبات، وتنتهوا عما نهاكم عنه من محظورات.
ولقد قرأ نافع وابن عامر بغير واو، وهى قراءة أهل المدينة والشام. والباقون بالواو، وهى قراءة أهل مكة والعراق.
فمن قرأ بالواو، جعل قوله - تعالى - { وَسَارِعُوۤاْ } معطوفا على قوله { وَأَطِيعُواْ } أى: أطيعوا الله والرسول وسارعوا إلى مغفرة من ربكم.
ومن قرأ بغير واو جعل قوله "سارعوا" مستأنفا، إذ هو بمنزلة البيان أو بدل الاشتمال.
و { مِّن } فى قوله { مِّن رَّبِّكُمْ } ابتدائية، والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة للمغفرة أى مغفرة كائنة من ربكم..
ولقد عظم - سبحانه - بذلك شأن هذه المغفرة التى ينبغى طلبها بإسراع ومبادرة، بأن جاء بها منكرة، وبأن وصفها بأنها كائنة منه - سبحانه - هو الذى خلق الخلق بقدرته، ورباهم برعايته.
ووصف - سبحانه - الجنة بأن عرضها السماوات والأرض على طريقة التشبيه البليغ، بدليل التصريح بحرف التشبيه فى قوله - تعالى -
{ سَابِقُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } قال الفخر الرازى ما ملخصه: وفى معنى أن عرض الجنة مثل عرض السماوات والأرض وجوه منها: أن المراد لو جعلت السماوات والأرضون طبقا طبقا، بحيث تكون كل واحدة من تلك الطبقات سطحا مؤلفا من أجزاء لا تتجزأ، ثم وصل البعض بالبعض طبقا واحدا لكان ذلك مثل عرض الجنة، وهذا غاية فى السعة لا يعلمها إلا الله.
ومنها أن المقصود المبالغة فى وصف السعة للجنة، وذلك لأنه لا شىء عندنا أعرض منهما ونظيره قوله
{ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ } فإن أطول الأشياء بقاء عندنا هو السماوات والأرض، فخوطبنا على وفق ما عرفناه، فكذا هنا".
وخص - سبحانه - العرض بالذكر، ليكون أبلغ فى الدلالة على عظمها واتساع طولها، لأنه إذا كان عرضها كهذا، فإن العقل يذهب كل مذهب فى تصور طولها "لأن العرض فى العادة أقل من الطول. وذلك كقوله - تعالى - فى صفة فرش الجنة
{ مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ } لأنه إذا كانت بطانة الفرش من الحرير فكيف يكون ما فوق البطانة مما تراه الأعين؟.
قال القفال: ليس المراد بالعرض ها هنا ما هو خلاف الطول، بل هو عبارة عن السعة كما تقول العرب: بلاد عريضة، ويقال هذه دعوى عريضة أى واسعة عظيمة. والأصل فيه أن ما اتسع عرضه لم يضق، وما ضاق عرضه دق، فجعل العرض كناية عن السعة".
قال ابن كثير: وقد روينا فى مسند الإِمام أحمد أن هرقل كتب إلى النبى صلى الله عليه وسلم يقول:
"إنك دعوتنى إلى جنة عرضها السماوات والأرض فأين النار؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم: سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار" .
وعن أبى هريرة أن رجلا جاء إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أرايت قوله - تعالى -: { جَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ } فأين النار قال: أرأيت الليل إذا جاء لبس كل شىء فأين النهار؟ قال: حيث شاء الله قال صلى الله عليه وسلم: وكذلك النار تكون حيث شاء الله" .
وقوله - تعالى - { أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } أى هيئت للمتقين الذين صانوا أنفسهم عن محارم الله، وجعلوا بينهم وبينها وقاية وساترا، وخافوا مقام ربهم ونهوا أنفسهم عن الهوى.
ثم بين - سبحانه - صفات المتقين الذين يصلحون فى الأرض ولا يفسدون، والذين أعد لهم - سبحانه - جنته فقال - تعالى - { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ } أى الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله فى جميع أحوالهم، فهم يبذلونها ابتغاء وجه ربهم فى حال يسرهم وفى حال عسرهم، وفى حال سرورهم وفى حال حزنهم، وفى حال صحتهم وفى حال مرضهم، لا يصرفهم صارف عن إنفاق أموالهم فى وجوه الخير ما داموا قادرين على ذلك.
وقوله { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ } فى محل جر صفة للمتقين. ويجوز أن يكون فى محل نصب أو رفع على القطع المشعر بالمدح.
وقال { يُنفِقُونَ } بالفعل المضارع، للإِشارة بأنهم يتجدد إنفاقهم فى سبيل الله آنا بعد آن بدون انقطاع.
وقدم الإِنفاق على غيره من صفاتهم لأنه وصف إيجابى يدل على صفاء نفوسهم، وقوة إخلاصهم، فإن المال شقيق الروح، فإذا أنفقوه فى حالتى السراء والضراء كان ذلك دليلا على التزامهم العميق لتعاليم دينهم وطاعة ربهم.
وقد مدح الله - تعالى - الذين ينفقون أموالهم فى سبيله فى عشرات الآيات من كتابه، ومن ذلك قوله - تعالى -:
{ { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } أما الصفتان الثانية والثالثة من صفات هؤلاء المتقين فهما قوله تعالى: { وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ }.
أى سارعوا أيها المؤمنون إلى العمل الصالح الذى يوصلكم إلى جنة عظيمة أعدها الله - تعالى - لمن يبذلون أموالهم فى السراء والضراء، ولمن يمسكون غيظهم، ويمتنعون عن إمضائه مع القدرة عليه، ولمن يغضون عمن أساء إليهم. فالمراد بكظم الغيظ حبسه وإمساكه. يقال: كظم فلان غيظه إذا حبسه ولم يظهره مع قدرته على إيقاعه بمن أغضبه. ويقال: كظم البعير جرته، إذا ردها وكف عن الاجترار. وكظم القربة: إذا ملأها وشد على فمها ما يمنع من خروج ما فيها.
وقد ساق ابن كثير جملة من الأحاديث التى وردت فى فضل كظم الغيظ والعفو عن الناس ومن ذلك ما رواه الشيخان عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب" .
وروى الإِمام أحمد - بسنده - عن حارثة بن قدامة السعدى أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله: قل لى قولا ينفعنى وأقلل على لعلى أعقله: فقال له: لا تغضب فأعاد عليه حتى أعاد عليه مرارا كل ذلك يقول: لا تغضب" .
وعن أبى بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من سره أن يشرف له البنيان وترفع له الدرجات فليعف عن من ظلمه ويعط من حرمه، ويصل من قطعه" .
وكظم الغيظ والعفو عن الناس هاتان الصفتان إنما تكونان محمودتين عندما تكون الإِساءة متعلقة بذات الإِنسان، أما إذا كانت الإِساءة متعلقة بالدين بأن انتهك إنسان حرمة من حرمات الله ففى هذه الحالة يجب الغضب من أجل حرمات الله، ولا يصح العفو عمن انتهك هذه الحرمة.
فلقد وصفت السيدة عائشة النبى صلى الله عليه وسلم بأنه كان لا يغضب لنفسه فإذا انتهكت حرمات الله لم يقم لغضبه شىء.
وقوله { وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } تذييل مقرر لمضمون ما قبله.
والإِحسان معناه الإِتقان والإِجادة. وأل فى المحسنين إما للجنس أى والله - تعالى - يحب كل محسن فى قوله وعمله، ويكون هؤلاء الذين ذكر الله صفاتهم داخلين دخولا أوليا.
وإما أن تكون للعهد فيكون المعنى: والله - تعالى - يحب هؤلاء المحسنين الذين من صفاتهم أنهم ينفقون أموالهم فى كل حال من أحوالهم، ويكظمون غيظهم، ويعفون عمن ظلمهم.
أما الصفة الرابعة من صفات هؤلاء المتقين فقد ذكرها - سبحانه - فى قوله: { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }.
والفاحشة من الفحش وهو مجاوزة الحد فى السوء. والمراد بها الفعلة البالغة فى القبح كالزنا والسرقة وما يشبههما من الكبائر.
والمعنى: سارعوا أيها المؤمنون إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدها خالقكم - عز وجل - للمتقين الذين من صفاتهم أنهم ينفقون أموالهم فى السراء والضراء، ويكظمون غيظهم، ويعفون عن الناس، وأنهم إذا فعلوا فعلة فاحشة متناهية فى القبح، أو ظلموا أنفسهم، بارتكاب أى نوع من أنواع الذنوب "ذكروا الله" أى تذكروا حقه العظيم، وعذابه الشديد، وحسابه العسير للظالمين يوم القيامة "فاستغفروا لذنوبهم" أى طلبوا منه - سبحانه - المغفرة لذنوبهم التى ارتكبوها، وتابوا إليه توبة صادقة نصوحا.
وعلى هذا يكون قوله - تعالى - { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ } معطوفا على الصفة الأولى من صفات المتقين، ويكون قوله - تعالى - { وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } جملة معترضة بين الصفات المتعاطفة.
قال الفخر الرازى: واعلم أن وجه النظم من وجهين:
الأول: أنه - تعالى - لما وصف الجنة بأنها معدة للمتقين بين أن المتقين قسمان:
أحدهما: الذين أقبلوا على الطاعات والعبادات، وهم الذين وصفهم بالانفاق فى السراء والضراء، وكظم الغيظ والعفو عن الناس.
وثانيهما: الذين أذنبوا ثم تابوا وهو المراد بقوله - تعالى - { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً } وبين - سبحانه - أن هذه الفرقة كالفرقة الأولى فى كونها متقية.
والوجه الثانى: أنه فى الآية الأولى ندب إلى الإِحسان إلى الغير، وندب فى هذه الآية إلى الإِحسان إلى النفس، فإن المذنب إذا تاب كانت توبته إحسانا منه إلى نفسه".
وقوله { أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ } معطوف على { فَعَلُواْ فَاحِشَةً } من باب عطف العام على الخاص، وهذا على تفسير الفاحشة بأنها كبائر الذنوب، أما ظلم النفس فيتناول كل ذنب سواء أكان صغيرا أم كبيراً.
وبعضهم يرى أن الفاحشة وظلم النفس وجهان للمعصية لا ينفصلان عنها، بمعنى أن كل معصية لا تخلو منهما فهى فاحشة وظلم للنفس، وعلى هذا تكون "أو" بمعنى الواو.
ويكون المعنى: ومن يرتكب فاحشة ويظلم نفسه، ويتذكر الله عند ارتكابها فيعود إليه تائباً منيبا يكون من المتقين.
وفى التعبير بقوله: { إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ } بصيغة الشرط الجواب، إشعار بوجوب اقتران الجواب بالشرط. أى أن الشخص الذى يدخل فى جملة المتقين هو الذى يعود إلى ربه تائبا فور وقوع المعصية، بحيث لا يسوف ولا يؤخر التوبة حتى إذا حصره الموت. قال: إنى تبت الآن.
وقوله: { وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } جملة معترضة بين قوله { فَٱسْتَغْفَرُواْ } وبين قوله { وَلَمْ يُصِرُّواْ }.
والاستفهام فى قوله: { وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } للإِنكار والنفى.
أى: لا أحد يقبل توبة التائبين، ويغفر ذنوب المذنبين، ويمسح خطايا المخطئين، إلا الله العلى الكبير "الذى يبسط يده بالليل ليتوب مسىء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسىء الليل، ويتوب الله على من تاب" - كما جاء فى الحديث الشريف - ولذا قال صاحب الكشاف عند تفسيره لهذه الجملة ما ملخصه: فى هذه الجملة وصف لذاته - تعالى - بسعة الرحمة، وقرب المغفرة، وأن التائب من ذنبه كمن لا ذنب له، وأنه لا مفزع للمذنبين إلا فضله وكرمه. وفيها تطييب لنفوس العباد، وتنشيط للتوبة، وبعث عليها، وردع عن اليأس والقنوط، وأن الذنوب وإن جلت فإن عفوه أجل، وكرمه أعظم. والمعنى أنه وحده عنده مصححات المغفرة، وهذه جملة معترضة بين المعطوف، والمعطوف عليه".
وقوله { وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } بيان لشروط الاستغفار المقبول عند الله - تعالى -.
أى أن من صفات المتقين أنهم إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم، سارعوا بالتوبة إلى الله - تعالى -، ولم يصروا على الفعل القبيح الذى فعلوه، وهم عالمون بقبحه، بل يندمون على ما فعلوا، ويستغفرون الله - تعالى - مما فعلوا، ويتوبون إليه توبة صادقة.
وقوله { وَلَمْ يُصِرُّواْ } معطوف على قوله { فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ }.
وقوله { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } جملة حالية من فاعل "يصروا" أى ولم يصروا على ما فعلوا وهم عالمون بقبحه.
ومفعول يعلمون محذوف للعلم به أى يعلمون سوء فعلهم، أو يعلمون أن الله يتوب على من تاب، أو يعلمون عظم غضب الله على المذنبين الذين يداومون على فعل القبائح دون أن يتوبوا إليه.
فأنت ترى أن هذه الآية الكريمة قد فتحت باب التوبة أمام المذنبين، وحرضتهم على ولوجه بعزيمة صادقة، وقلب سليم، ولم تكتف بذلك بل بشرتهم بأنهم متى أقلعوا عن ذنوبهم، وندموا على ما فعلوا، وعاهدوا الله على عدم العودة على ما ارتكبوه من خطايا، وردوا المظالم إلى أهلها، فإن الله - تعالى - يغفر لهم ما فرط منهم، ويحشرهم فى زمرة عباده المتقين.
إنه - سبحانه - لا يغلق فى وجه عبده الضعيف المخطىء باب التوبة، ولا يلقيه حائرا منبوذا فى ظلام المتاهات، ولا يدعه مطرودا خائفا من المصير، وإنما يطمعه فى مغفرته - سبحانه - ويرشده إلى أسبابها، ويغريه بمباشرة هذه الأسباب حتى ينجو من العقاب.
ولقد ساق - سبحانه - فى عشرات الآيات ما يبشر التائبين الصادقين فى توبتهم بمغفرته ورحمته ورضوانه، ومن ذلك قوله - تعالى -:
{ وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ مَتاباً } وقد وردت أحاديث كثيرة فى هذا المعنى ومن ذلك ما رواه أبو داود والترمذى عن أبى بكر الصديق - رضى الله عنه - قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أصر من استغفر وإن عاد فى اليوم سبعين مرة" .
وقال القرطبى: وأخرج الشيخان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه" .
وفى صحيح مسلم عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذى نفسى بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم" .
ثم قال القرطبى: "والذنوب التى يتاب منها إما كفر أو غيره فتوبة الكافر إيمانه مع ندمه على ما سلف من كفره، وغير الكفر إما حق الله - تعالى - وإما حق لغيره؛ فحق الله - تعالى - يكفى فى التوبة منه الترك، غير أن منها ما لم يكتف الشرع فيها بمجرد الترك، بل أضاف إلى ذلك فى بعضها قضاء كالصلاة والصوم. ومنها ما أضاف إليها كفارة كالحنث فى الإِيمان والظهار وغير ذلك وأما حقوق الآدميين فلا بد من إيصالها إلى مستحقيها، فإن لم يوجدوا تصدق عنهم، ومن لم يجد السبيل لخروج ما عليه لإِعسار فعفو الله مأمول، وفضله مبذول، فكم ضمن من التبعات، وبدل من السيئات بالحسنات".
ثم بين - سبحانه - عاقبة من هذه صفاتهم فقال: { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ }.
أى: أولئك الموصوفون بتلك الصفات السابقة من الإِنفاق فى السراء والضراء، وكظم الغيظ، والعفو عن الناس.. إلخ { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ } تستر ذنوبهم، وتمسح خطاياهم.
وفى الإِشارة إليهم بأولئك الدالة على البعد، إشعار بعلو منزلتهم فى الفضل، وسمو مكانتهم عند الله - تعالى -.
وقوله { وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } معطوف على { مَّغْفِرَةٌ } أى لهم بجانب هذه المغفرة جنات تجرى من تحت أشجارها وثمرها الأنهار.
وقوله { خَالِدِينَ فِيهَا } حال مقدرة من الضمير المجرور فى { جَزَآؤُهُمْ } لأنه مفعول به فى المعنى، إذ هو بمعنى أولئك يجزيهم الله - تعالى - جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها. فأنت ترى أن الله - تعالى - قد وعد أصحاب هذه الصفات بأمور ثلاثة:
وعدهم بغفران ذنوبهم وهذا منتهى الآمانى والآمال.
ووعدهم بإدخالهم فى جناته التى يتوفر لهم فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين.
ووعدهم بالخلود فى تلك الجنات حتى يتم لهم السرور والحبور.
وقوله - تعالى - { وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } تذييل قصد به مدح ما أعد لهم من جزاء، حتى يرغب فى تحصيله العقلاء.
والمخصوص بالمدح محذوف أى ونعم أجر العاملين هذا الجزاء الذى وعدهم الله به مغفرة وجنات خالدين فيها.
وبذلك نرى السورة الكريمة قبل أن تفصل الحديث عن غزوة أحد، قد ذكرت المؤمنين بطرف مما حدث من بعضهم فيها، وبالنتائج الطيبة التى حصلوا عليها من غزوة بدر، ثم أمرتهم بتقوى الله، وبالمسارعة إلى الأعمال الصالحة التى توصلهم إلى رضاه.
ثم أخذت السورة الكريمة بعد ذلك تتحدث عن غزوة أحد وعن آثارها فى نفوس المؤمنين، فبدأت بالإِشارة إلى سنن الله فى المكذبين بآياته؛ لتخفف عن المؤمنين مصابهم، ثم أمرتهم بالصبر والثبات ونهتهم عن الوهن والجزع لأنهم هم الأعلون. وإن تكن قد أصابتهم جراح فقد أصيب المشركون بأمثالها، ولله - تعالى - فيما حدث فى غزوة أحد حكم، منها: تمييز الخبيث من الطيب، وتمحيص القلوب واتخاذ الشهداء، ومحق الكافرين.
استمع إلى القرآن الكريم وهو يسوق تلك المعانى بأسلوبه الذى يبعث الأمل فى قلوب المؤمنين. ويرشدهم إلى ما يقويهم ويثبتهم، ويمسح بتوجيهاته دموعهم، ويخفف عنه آلامهم فيقول: { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ... }.