خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٣٨
وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ
٣٩
ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُمْ مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ
٤٠
-الروم

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

والخطاب فى قوله - تعالى -: { فَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ.. } للنبى صلى الله عليه وسلم ولكل من يصلح له من أمته. والفاء: لترتيب ما بعدها على ما قبلها.
والمعنى: إذا كان الأمر كما ذكرت لكم، من أبسط الأرزاق وقبضها بيدى وحدى، فأعط - أيها الرسول الكريم - ذا القربى حقه من المودة والصلة والإِحسان، وليقتد بك فى ذلك أصحابك وأتباعك.
وأعط - أيضا - { وَٱلْمِسْكِينَ } الذى لا يملك شيئا ذا قيمة، حقه من الصدقة والبر، وكذلك { وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ } وهو المسافر المنقطع عن ماله فى سفره، ولو كان غنيا فى بلده.
وقدم - سبحانه - الأقارب، لأن دفع حاجتهم واجب من الواجبات التى جعلها - سبحانه - للقريب على قريبه.
قال القرطبى: واختلف فى هذه الآية، فقيل: إنها منسوخة بآية المواريث. وقيل: لا نسخ، بل للقريب حق لازم فى البر على كل حال، وهو الصحيح، قال مجاهد وقتادة: صلة الرحم فرض من الله - عز وجل -، حتى قال مجاهد: لا تقبل صدقة من أحد ورحمه محتاجة.
وقال الجمل فى حاشيته: وعدم ذكر بقية الأصناف المستحقين للزكاة، يدل على أن ذلك فى صدقة التطوع، وقد احتج أبو حنفية -رحمه الله - بهذه الآية على وجوب نفقة المحارم، والشافعى -رحمه الله - قاس سائر الأقارب - ما عدا الفروع والأصول - على ابن العم، لأنه لا ولادة بينهم.
ثم قال: وهؤلاء الثلاثة يجب الإِحسان إليهم وإن لم يكن إليهم وإن لم يكن للإِنسان مال زائد، لأن المقصود هنا: الشفقة العامة، والفقير داخل فى المسكين..".
ثم بين - سبحانه - الآثار الطيبة المترتبة على هذا البر والعطاء فقال: { ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }.
أى: ذلك الإِيتاء لهؤلاء الثلاثة، خير وأبقى عند الله - تعالى - للذين يريدون بصدقتهم وإحسانهم وجه الله، وأولئك المتصفون بتلك الصفات الحميدة، هم الكاملون فى الفلاح، والظفر بالخير فى الدنيا والآخرة.
وبعد أن حضهم على صلة الأقارب والمساكين وابن السبيل، نفرهم من تعاطى الربا فقال: { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُو عِندَ ٱللَّهِ }.
والربا: الزيادة مطلقا. يقال: ربا الشئ يربو إذا زاد ونما، ومنه قوله - تعالى -:
{ { وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ } }. أى: زادت.
قال الآلوسى ما ملخصه: والظاهر أن المراد بالربا هنا، الزيادة المعروفة فى المعاملة التى حرمها الشارع. ويشهد لذلك ما روى عن السدى، من أن الآية نزلت فى ربا ثقيف، كانوا يرابون، وكذلك كانت قريش تتعاطى الربا.
وعن ابن عباس وغيره: أن المراد به هنا العطية التى يتوقع بها مزيد مكافأة، وعليه فتسميتها ربا مجاز، لأنها سبب للزيادة.
ويبدو لنا أن المراد هنا، الربا الذى حرمه الله - تعالى - بعد ذلك تحريما قاطعا، وأن المقصود من الآية التنفير منه على سبيل التدرج، حتى إذا جاء التحريم النهائى له، تقبلته نفوس الناس بدون مفاجأة لهذا التحريم.
قال صاحب الكشاف: هذه الآية فى معنى قوله - تعالى -
{ { يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَاتِ } سواء بسواء. يريد: وما أعطيتم أكلة الربا { مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي } أموالهم، أى: ليزيد ويزكو فى أموالهم، فلا يزكو عند الله ولا يبارك فيه.
ثم حض - سبحانه - على التصدق فى سبيله فقال: { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ } أى من صدقة تتقربون بها إلى الله، و { تُرِيدُونَ } بأدائها { وَجْهَ ٱللَّهِ } أى: رضاه وثوابه. { فَأُوْلَـٰئِكَ } الذين يفعلون ذلك { هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ } أى: ذوو الأضعاف المضاعفة من الثواب والعطا الكريم، فالمضعفون جمع مضعف - بكسر العين - على أنه اسم فاعل من أضعف، إذا صار ضِعْف - بكسر فسكون - كأقوى وأيسر، إذا صار ذا قوة ويسار.
وقال - سبحانه -: { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ } ولم يقل: فأنتم المضعفون، لأنه رجع من المخاطبة إلى الغيبة، كانه قال لملائكته: فاولئك الذين يريدون وجهى بصدقاتهم، هم المضعفون، فهو أمدح لهم من أن يقول: فأنتم المضعفون.
ثم بين - سبحانه - بعد ذلك مظاهر فضله على الناس فقال: { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ } على غير مثال سابق { ثُمَّ رَزَقَكُمْ } من فضله بأنواع من الرزق الذى لا غنى لكم عنه فى معاشكم { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } بعد انقضاء أعماركم فى هذه الحياة { ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } يوم القيامة للحساب والجزاء.
والاستفهام فى قوله - سبحانه -: { هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُمْ مِّن شَيْءٍ } للانكار والنفى. أى: ليس من شركائكم الذين عبدتموهم من يستطيع أن يفعل شيئاً من ذلك، فكيف اتخذتموهم آلهة وأشركتموهم معى فى العبادة؟ إن الله - تعالى - وحده هو الخالق وهو الرازق وهو المحيى وهو المميت.
{ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } تنزه وتقس عن شرك هؤلاء المشركين وعن جهل أولئك الجاهلين.
وبعد هذا التوجيه الحكيم، يسوق - سبحانه - الآثار السيئة التى تترتب على الكفر والمعاصى، ويأمر بالاعتبار بالسابقين، ويبين عاقبة الأشرار وعاقبة الأخيار فيقول: { ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ...لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ }.