خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ
٦
وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِيۤ أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
٧
-لقمان

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

وقد ذكر المفسرون فى سبب نزول هاتين الآيتين روايات اشهرها، أنهما نزلتا فى النضر بن الحارث. اشترى قينة - أى مغنية -، وكان لا يسمع بأحد يريد الإِسلام إلا انطلق به إلى قينته، فيقول لها: أطعميه واسقيه وغنيه، فهذا خير مما يدعوك إليه محمد صلى الله عليه وسلم من الصلاة والصيام، وأن تقاتل بين يديه..
و { لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ }: باطله، ويطلق على كل كلام يلهى القلب، ويشغله عن طاعة الله - تعالى -، كالغناء، والملاهى، وما يشبه ذلك مما يصد عن ذكر الله - تعالى -:
وقد فسر كثير من العلماء بالغناء، والأفضل تفسيره بكل حديث لا يثمر خيرا.
و { مِنَ } فى قوله { وَمِنَ ٱلنَّاسِ } للتبعيض، أى: ومن الناس من يترك القول الذى ينفعه، ويشترى الأحاديث الباطلة، والخرافات الفاسدة.
قال القرطبى ما ملخصه: هذه إحدى الآيات التى استدل بها العلماء على كراهة الغناء والمنع منه. ولا يختلف فى تحريم الغناء الذى يحرك النفوس، ويبعثها على الغزل والمجون.. فأما ما سلم من ذلك، فيجوز القليل منه فى أوقات الفرح، كالعرس والعيد وعند التنشيط على الأعمال الشاقة، كما كان فى حفر الخندق...
وقوله: { لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً.. } تعليل لاشتراء لهو الحديث. والمراد بسبيل الله - تعالى -: دينه وطريقه الذى اختاره لعباده.
وقد قرأ الجمهور: { ليُضل } بضم الياء - أى: يشترى لهو الحديث ليضل غيره عن صراط الله المستقيم، حالة كونه غير عالم بسوء عاقبة ما يفعله، ولكى يتخذ آيات الله - تعالى - مادة لسخريته واستهزائه.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو "ليَضل" - بفتح الياء - فيكون المعنى: يشترى لهو الحديث ليزداد رسوخا فى ضلاله.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: القراءة بالضمر بينة، لأن النضر كان غرضه باشتراء اللهو، أن يصد الناس عن الدخول فى الإِسلام واستماع القرآن، ويضلهم عنه، فما معنى القراءة بالفتح؟.
قلت: فيه معنيان، أحدهما: ليثبت على ضلاله الذى كان عليه، ولا يصدف عنه، ويزيد فيه ويمده فإن المخذول كان شديد الشكيمة فى عداوة الدين وصد الناس عنه. والثانى: أن بوضع ليَضل موضع ليُضل، من قبل أن من أضل كان ضالا لا محالة، فدل بالرديف على المردوف...
وقوله: { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } بيان لسوء عاقبة من يؤثر الضلالة على الهداية.
أى: أولئك الذين يشترون لهو الحديث، ليصرفوا الناس عند دين الله - تعالى -، وليستهزئوا بآياته، لهم عذاب يهينهم ويذلهم، ويجعلهم محل الاحتقار والهوان.
ثم فصل - سبحانه - حال هذا الفريق الشقى فقال: { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ } أى: على النضر وأمثاله { آيَاتُنَا } الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا، وعلى صدق نبينا صلى الله عليه وسلم. { وَلَّىٰ مُسْتَكْبِراً } أى: أعرض عنها بغرور واستعلاء. { كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا } أى: كأن حاله فى استكباره عن سماع الآيات، كحال الذى لم يسمعها إطلاقا.
{ كَأَنَّ فِيۤ أُذُنَيْهِ وَقْراً } أى: كأن فى أدنيه صمما وثقلا ومرضا يحول بينه وبين السماع.
والجملتان الكريمتان حال من قوله { ٰ مُسْتَكْبِراً } والمقصود بهما توبيخ هذا الشقى وأمثاله، وذمهم ذما موجعا لإِعراضهم عن الحق.
وقوله - تعالى -: { فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } تهكم به، واستخفاف بتصرفاته.
أى: فبشر هذا الشقى الذى اشترى لهو الحديث، وأعرض عن آياتنا بالعذاب الأليم، الذى يناسب غروره واستكباره.
ثم أكدت السورة الجزاء الحسن الذى أعده الله - تعالى - للمؤمنين، وذكرت جانبا من مظاهر قدرته - سبحانه -، ورحمته بعباده، فقال - تعالى -: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ...فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }.