خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ
٢٣
وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ
٢٤
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقَيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
٢٥
-السجدة

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

والمراد بالكتاب فى قوله - تعالى -: { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ } التوراة التى أنزلها سبحانه - لتكون هداية لبنى إسرائيل.
قالوا: وإنما ذكر موسى لقربه من النبى صلى الله عليه وسلم ووجود من كان على دينه إلزاماً لهم. إنما لم يختر عيسى - عليه السلام - للذكر وللاستدلال، لأن اليهود ما كانوا يوافقون على نبوته، وأما النصارى فكانوا يعترفون بنبوة موسى - عليه السلام -.
والضمير المجرور فى قوله: { فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ } يعود إلى موسى على أرجح الأقوال - أو إلى الكتاب.
أى: آتينا موسى الكتاب فلا تكن - أيها الرسول الكريم - فى مرية أو شك من لقاء موسى للكتاب الذى أوحيناه إليه، بقبول ورضا وتحمل لتكاليف الدعوة به، فكن مثله فى ذلك، وبلغ ما أنزل إليك من ربك دون ان تخشى أحداً سواه.
قال الآلوسى ما ملخصه: قوله: { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ } أى: جنس الكتاب { فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ } أى: شك { مِّن لِّقَآئِهِ } أى: من لقائه ذلك الجنس.
وحمل بعضهم { ٱلْكِتَابَ } على العهد، أى الكتاب المعهود وهو التوراة.
ونهيه صلى الله عليه وسلم عن أن يكون فى شك، المقصود به أمته، والتعريض بمن اتصف بذلك. وقيل الكتاب، المراد به التوراة، وضمير، لقائه، عائد إليه من غير تقدير مضاف. ولقاء مصدر مضاف إلى مفعوله، وفاعله موسى. أى: فلا تكن فى مرية من لقاء موسى الكتاب، ومضاف إلى فاعله، ومفعوله موسى. أى: من لقاء الكتاب موسى ووصوله إليه...
وهذا الرأى الأخير الذى عبر عنه الآلوسى -رحمه الله - بقوله "وقيل" وهو فى رأينا أرجح الآراء، وأقربها إلى الصواب، لبعده عن التكلف.
قال الجمل فى حاشيته، بعد أن ساق ستة أقوال فى عودة الضمير فى قوله { مِّن لِّقَآئِهِ }: وأظهرها أن الضمير إما لموسى وإما للكتاب. أى: لا ترتب فى أن موسى لقى الكتاب الذى أنزل عليه".
قال صاحب الكشاف: والضمير فى "لقائه" له - أى لموسى -، ومعناه: إنا آتينا موسى - عليه السلام - مثل ما آتيناك من الكتب، ولقيناه مثل ما لقيناك من الوحى، فلا تكن فى شك من أنك لقيت مثله، ولقيت نظيره كقوله - تعالى -: { فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ }.
وقوله - تعالى -: { وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } أى: وجعلنا الكتاب الذى أنزلناه على نبينا موسى - عليه السلام - هداية لبنى إسرائيل إلى طريق الحق والسداد.
{ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ } والأئمة: جمع إمام، وهو من يقتدى به فى الأمور المختلفة. والمراد بهم هنا: من يقتدى بهم فى وجوه الخير والبر.
أى: وجعلنا من بنى إسرائيل أئمة فى الخير والصلاح، يهدون غيرهم إلى الطريق الحق، بأمرنا وإرادتنا وفضلنا، وقد وفقناهم لذلك حين صبروا على أداء ما كلفناهم به من عبادات، وحين تحملوا الشدائد والمحن فى سبيل إعلاء كلمتنا.
وأنت ترى أن جعلهم أئمة فى الخير لم يكن اعتباطًا، وإنما كان سب صبرهم على الأذى، وعلى مشاق الدعوة إلى الحق، وعلى كل أمر يستلزم الصبر وحبس النفس.
وفى ذلك إرشاد وتعليم للمسلمين، بأن يسلكوا طريق الأئمة الصالحين، ممن كانوا قبلهم، وأن يبلغوا دعوة الله إلى غيرهم بصبر ويقين.
وقوله - سبحانه - { وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } زيادة فى مدحهم، وفى تقرير أنهم أهل للإِمامة فى الخير. أى: وكانوا بسبب إداركهم السليم لمعانى آياتنا: يوقنون إيقاناً جازماً بأنهم على الحق الذى لا يحوم حوله باطل وبأنهم متبعون لشريعة الله - تعالى - التى لا يضل من اتبعها وسار على نهجها.
ثم أشار - سبحانه - إلى أن بنى إسرائيل جميعاً لم يكونوا كذلك، وإنما كان منهم الأخيار والأشرار، وأنه - تعالى - سيحكم بين الجميع يوم القيامة بحكمه العادل، فقال: { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقَيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }.
أى: إن ربك - أيها الرسول الكريم - هو وحده الذى يتولى القضاء والحكم بين المؤمنين والكافرين يوم القيامة، فيما كانوا يختلفون فيه فى الدنيا من أمور متنوعة. على رأسها ما يتعلق بالأمور الدينية.
ثم يسوق - سبحانه - فى أواخر السورة ما من شأنه أن يهدى الضالين إلى الصراط المستقيم، وما يرشدهم إلى مظاهر نعمه عليهم، وما يزيد النبى صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم ثباتاً على ثباته، ويقيناً على يقينة، فيقول - عز وجل - { أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا...إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ }.