خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً
١
وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَـيْكَ مِن رَبِّكَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً
٢
وَتَوَكَّلْ عَلَىٰ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً
٣
-الأحزاب

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

افتتحت سورة الأحزاب بهذا النداء لسيد الخلق صلى الله عليه وسلم وبهذا الوصف الكريم، وهو الوصف بالنبوة، على سبيل التشريف والتعظيم.
قال صاحب الكشاف: جعل - سبحانه - نداءه بالنبى والرسول فى قوله: { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ }.
{ { يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ } وترك نداءه باسمه، كما قال: يا آدم، يا موسى، يا عيسى، يا داود: كرامة له وتشريفا، وتنويها بفضله.
فإن قلت: إن لم يوقع اسمه فى النداء. فقد أوقعه فى الإِخبار، فى قوله:
{ { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ } قلت: ذلك لتعليم الناس بأنه رسول، وتلقين لهم أن يسموه بذلك ويدعوه به.
والمراد بأمره بتقوى الله: المداومة على ذلك، والازدياد من هذه التقوى.
أى: واظب - أيها النبى الكريم - على تقوى الله، وعلى مراقبته، وعلى الخوف منه، وأكثر من ذلك، فإن تقوى الله، على رأس الفضائل التى يحبها - سبحانه -.
قال ابن كثير: هذا تنبيه بالأعلى على الأدنى، فإنه - تعالى - إذا كان يأمر عبده ورسوله بهذا، فلأن يأتمر من دونه بذلك بطريق الأولى والأحرى.
وقد قال خلف بن حبيب: التقوى أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجوا ثواب الله.
وبعد الأمر بالتقوى، جاء النهى عن طاعة غير المؤمنين، فقال - تعالى -: { وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ }. أى: واظب - أيها النبى الكريم - على تقوى الله، واجتنب طاعة الكافرين الذين جحدوا نعم الله عليهم، وعبدوا معه آلهة أخرى، واجتنب كذلك طاعة المنافقين الذين يظهرون الإِسلام ويخفون الكفر.
وفى إيراد هذا النهى بعد الأمر بتقوى الله، إشارة وإيحاء إلى ما كان يبذله هؤلاء الكافرون والمنافقون من جهود عنيفة، لزحزحة النبى صلى الله عليه وسلم عما هو عليه من حق، ولصرفه عن دعوتهم إلى الإِسلام.
وقد ذكروا فى سبب نزول هذه الآية روايات منها: أن جماعة من أهل مكة، طلبوا من النبى صلى الله عليه وسلم أن يرجع عن قوله، وأن يعطوه شطر أموالهم، وأن المنافقين واليهود بالمدينة هدوده بالقتل إن لم يرجع عن دعوتهم إلى الإِسلام، فنزلت.
وقوله - تعالى - { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }: تعليل الأمر والنهى، أى: اتبع ما أمرناك به، ومنا نهيناك عنه، لأن الله - تعالى - عليم بكل شئ، وحكيم فى كل أقواله وأفعاله.
ثم أمره - سبحانه - باتباع ما يوحيه إليه فقال: { وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَـيْكَ مِن رَبِّكَ.. } أى: واظب على تقوى الله، وابتعد عن طاعة أعدائك، واتبع فى كل ما تأتى وتذر، كل ما نوحيه إليك من عندنا اتباعا تاما.
فالجملة الكريمة معطوفة على ما قبلها. من قبيل عطف العام على الخاص.
وفى النص على أن الوحى إليه صلى الله عليه وسلم وأن هذا الوحى من ربه الذى تولاه بالتربية والرعاية، إشعار بوجوب الاتباع التام الذى لا يشوبه انحراف أو تردد.
ثم أكد - سبحانه - هذا الأمر تأكيدا قويا فقال: { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } أى: إنه - تعالى - خبير ومحيط بحركات النفوس وبخفايا القلوب، وكل ن يخالف ما أمرناه به، أو نهيناه عنه، فلا يخفى علينا أمره، وسنجازيه يوم القيامة بما يستحقه.
وقوله - سبحانه -: { وَتَوَكَّلْ عَلَىٰ ٱللَّهِ } أى: وفوض أمرك إليه - عز وجل - وحده.
{ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } أى: وكفى بربك حافظا لك، وكفيلا بتدبير أمرك.
فأنت ترى أن هذه الآيات الكريمة قد تضمنت ثلاثة أوامر: تقوى الله، واتباع وحيه، والتوكل عليه - تعالى - وحده. كما تضمنت نهيه صلى الله عليه وسلم عن طاعة الكافرين والمنافقين. وباتباع هذه الأوامر والنواهى، يسعد الأفراد، وتسعد الأمم.
ثم أبطل - سبحانه - بعض العادات التى كان متفشية فى المجتمع، وكانت لا تتناسب مع شريعة الإِسلام وآدابه، فقال - تعالى -: { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ....ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }.