خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِيۤ آبَآئِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآئِهِنَّ وَلاَ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلاَ نِسَآئِهِنَّ وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَٱتَّقِينَ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً
٥٥
إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً
٥٦
إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً
٥٧
وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً
٥٨
يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
٥٩
-الأحزاب

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

قال القرطبى: لما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب لرسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم: ونحن أيضا نكلمهن من وراء حجاب؟ فنزلت هذه الآية: { لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِيۤ آبَآئِهِنَّ.. }.
فالآية الكريمة مسوقة لبيان من لا يجب على النساء أن يحتجبن منه.
أى: لا حرج ولا إثم على أمهات المؤمنين ولا على غيرهن من النساء. فى ترك الحجاب بالنسبة لآبائهن، أو أبنائهن أو أخوانهن، أو أبناء إخوانهن أو أبناء أخواتهن، أو نسائهن اللاتى تربطن بهن رابطة قرابة أو صداقة، أو ما ملكت أيمانهن من الذكور أو الإِناث.
فهؤلاء يجوز للمرأة أن تخاطبهم بدون حجاب، وأن تظهر أمامهم بدون ساتر. وهذا لون من ألوان اليسر والسماحة فى شريعة الإِسلام.
ولم يذكر سبحانه - العم والخال، لأنهما يجريان مجرى الوالدين، وقد يسمى العم أبا. كما فى قوله - تعالى - حكاية عن يعقوب:
{ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـٰهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } وإسماعيل كان عم اليعقوب لا أبا له.
قال الجمل: وقوله: { وَلاَ نِسَآئِهِنَّ } أى: ولا جناح على زوجات النبى صلى الله عليه وسلم فى عدم الاحتجاب عن نسائهن، أى: عن النساء المسلمات وإضافتهن لهن من حيث المشاركة فى الوصف، وهو الإِسلام، وأما النساء الكافرات فيجب على أزواج النبى الاحتجاب عنهن.
كما يجب على سائر المسلمات. أى: ما عدا ما يبدو عند المهنة، أما هو فلا يجب عل المسلمات حجبه وستره عن الكافرات.
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى -: فى سورة النور:
{ { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ... } الآية.
ثم عقب. سبحانه هذا الترخيص والتيسير بقوله: { وَٱتَّقِينَ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً }.
والجملة الكريمة معطوفة على محذوف، والتقدير: لقد أبحت لكن يا معشر النساء مخاطبة هؤلاء الأصناف بدون حجاب: فامتثلن أمرى، واتقين الله - تعالى - فى كل أحوالكن، واحرصن على العفاف والتستر والاحتشام، لأن الله - تعالى - مطلع على كل ما يصدر عنكن، وسيجازى كل إنسان بما يستحقه من ثواب أو عقاب.
ثم أثنى الله - تعالى - على نبيه ثناء كبيرا وأمر المؤمنين بأن يعظموه ويوقروه فقال: { إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }.
قال القرطبى ما ملخصه: هذه الآية شرف الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم فى حياته وموته، وذكر منزلته منه.. والصلاة من الله رحمته ورضوانه، ومن الملائكة الدعاء والاستغفار، ومن الأمة الدعاء والتعظيم لأمره..
والضمير فى { يُصَلُّونَ } لله - تعالى - ولملائكته. وهذا قول من الله شرف به ملائكته..
أو فى الكلام حذف. والتقدير: إن الله يصلى وملائكته يصلون.
وقال ابن كثير: والمقصود من هذه الآية الكريمة، أن الله - تعالى - أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده فى الملأ الأعلى: بأنه يثنى عليه عند الملائكة المقربين وأن الملائكة تصلى عليه، ثم أمر الله أهل العالم السفلى بالصلاة والتسليم عليه. ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوى والسفلى جميعا.
والمعنى: إن الله - تعالى - يثنى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ويرضى عنه، وإن الملائكة تثنى عليه صلى الله عليه وسلم وتدعو له بالظفر بأعلى الدرجات وأسماها.
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ } أى: عظموه ووقروه وادعوا له بأرفع الدرجات { وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } أى: وقولوا: السلام عليك أيها النبى. والسلام: مصدر بمعنى السلام.
أى: السلامة من النقائص والآفات ملازمة لك.
والتعبير بالجملة الاسمية فى صدر الآية، للإِشعار بوجوب المداومة والاستمرار على ذلك. وخص المؤمنين بالتسليم، لأن الآية وردت بعد النهى عن إيذاء النبى صلى الله عليه وسلم، والإِيذاء له صلى الله عليه وسلم إنما يكون من البشر.
وقد ساق المفسرون - وعلى رأسهم ابن كثير والقرطبى والآلوسى - أحاديث متعددة فى فضل الإِكثار من الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم، وفى كيفية الصلاة عليه..
ومنها ما رواه الإِمام أحمد وابن ماجة عن عامر بن ربيعة قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول:
"من صلى على صلاة لم تزل الملائكة تصلى عليه ما صلى على، فليُقِلَّ عبد من ذلك أو ليكثر" .
ومنها ما رواه الشيخان وغيرهما عن كعب بن عُجْزَة قال: "لما نزلت هذه الاية قلنا: يا رسول الله، قد علمنا السلام، فكيف الصلاة عليك، قال: قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد" .
والآية الكريمة تدل على وجوب الصلاة والسلام على النبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنون الصادقون هم الذين يكثرون من ذلك. قال صاحب الكشاف ما ملخصه: فإن قلت: الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم واجبة أم مندوب إليها؟ قلت: بل واجبة، وقد اختلفوا فى حال وجوبها، فمنهم من أوجبها كلما جرى ذكره صلى الله عليه وسلم ومنهم من قال تجب فى كل مجلس مرة، وإن تكرر ذكره.
ومنهم من أوجبها فى العمرة مرة.. والذى يقتضيه الاحتياط: الصلاة عليه عند كل ذكر.. لما ورد من الأخبار فى ذلك.
ومنها: "رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل على".
ثم توعد - سبحانه - الذين يسيئون إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بأى لون من ألوان الإِساءة فقال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً }.
والمراد بأذى الله ورسوله: ارتكاب ما يبغضان ويكرهان من الكفر والفسوق والعصيان، ويشمل ذلك ما قاله اليهود: عزير ابن الله، ويد الله مغلولة، وما قاله النصارى: من أن المسيح ابن الله، كما يشمل ما قاله الكافرون فى الرسول صلى الله عليه وسلم من أنه كاهن أو ساحر أو شاعر..
وقيل: إن المقصود بالآية هنا: إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم خاصة، وذكر الله - تعالى - معه للتشريف، وللإِشارة إلى أن ما يؤذى الرسول يؤذى الله - تعالى -، كما جعلت طاعة الرسول، طاعة لله.
قال ابن كثير: والظاهر أن الآية عامة فى كل من آذى الرسول صلى الله عليه وسلم بشئ، فإن من آذاه فقد آذى الله، ومن أطاعه فقد اطاع الله، ففى الحديث الشريف:
"الله الله فى أصحابى، لاتتخذوهم غرضا بعدى، فمن أحبهم فبحبى أحبهم، ومن أبغضهم فببغضى أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذانى، ومن آذانى فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه" .
أى: إن الذين يؤذون الله - تعالى - ورسوله صلى الله عليه وسلم، بارتكاب ما لا يرضياه من كفر أو شرك أو فسوق أو عصيان..
{ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } أى: طرد الله - تعالى - هؤلاء الذين ارتكبوا الأذى من رحمته، وأبعدهم من رضاه فى الدنيا والآخرة.
{ وَأَعَدَّ لَهُمْ } - سبحانه - فى الآخرة { عَذَاباً مُّهِيناً } أى: عذابا يهينهم ويجعلهم محل الاحتقار والإِزدراء من غيرهم.
وبعد هذا الوعيد الشديد لمن آذى الله ورسوله، جاء وعيد آخر لمن آذى المؤمنين والمؤمنات، فقال - تعالى -: { وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً }.
أى: والذين يرتكبون فى حق المؤمنين والمؤمنات ما يؤذيهم فى أعراضهم أو فى أنفسهم أو فى غير ذلك مما يتعلق بهم، دون أن يكون المؤمنون أو المؤمنات قد فعلوا ما يوجب أذاهم..
{ فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } أى: فقد ارتكبوا إثما شنيعا، وفعلا قبيحا، وذنبا ظاهرا بينا، بسبب إيذائهم للمؤمنين والمؤمنات.
وقال - سبحانه - هنا { بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ } ولم يقل ذلك فى الآية السابقة عليها، لأن الناس بطبيعتهم يدفع بعضهم بعضا، ويعتدى بعضهم على بعض، ويؤذى بعضهم بعضا، أما الله - تعالى - ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا يتصور منهما ذلك.
وجمع - سبحانه - فى ذمهم بين البهتان والاثم المبين، للدلالة على فظاعة ما ارتكبوه فى حق المؤمنين والمؤمنات، إذ البهتان هو الكذب الصريح الذى لا تقبله العقول، بل يحيرها ويدهشها لشدته وبعده عن الحقيقة.
والإِثم المبين: هو الذنب العظيم الظاهر البين، الذى لا يخفى قبحه على أحد.
روى ابن أبى حاتم عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:
"أى الربا أربى عند الله؟
قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: أربى الربا عند الله، استحلال عرض امرئ مسلم ثم قرأ صلى الله عليه وسلم هذه الآية"
.
ثم أمر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين عامة، بالاحتشام والتستر فى ملابسهن فقال - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ... }.
قال الآلوسى: روى عن غير واحد أنه كانت الحرة والأمة، تخرجان ليلا لقضاء الحاجة فى الغيطان وبين النخيل، من غير تمييز بين الحرائر والإِماء، وكان فى المدينة فساق يتعرضون للإِماء، وربما تعرضوا للحرائر، فإذا قيل لهم قالوا: حسبناهن إماء، فأمرت الحرائر أن يخالفن الإِماء فى الزى والتستر فلا يطمع فيهن..
وقوله: { يُدْنِينَ } من الإِدناه بمعنى التقريب، ولتضمنه معنى السدل والإِرخاء عُدِّىَ بعلى. وهو جواب للأمر، كما فى قوله - تعالى -: { قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ... }.
والجلابيب: جمع جلباب، وهو ثوب يستر جميع البدن، تلبسه المرأة، فوق ثيابها.
والمعنى: يأيها النبى قل لأزواجك اللائى فى عصمتك، وقل لبناتك اللائى هن من نسلك، وقل لنساء المؤمنين كافة، قل لهن: إذا ما خرجن لقضاء حاجتهن، فعليهن أن يسدلن الجلابيب عليهن، حتى يسترن أجسامهن سترا تاما، من رءوسهن إلى أقدامهن، زيادة فى التستر والاحتشام، وبعدا عن مكان التهمة والريبة.
قالت أم سلمة - رضى الله عنها -: لما نزلت هذه الآية، خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها.
وقوله: { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ } بيان للحكمة من الأمر بالتستر والاحتشام.
أى: ذلك التستر والاحتشام والإِدناء عليهن من جلابيبهن يجعلهن أدنى وأقرب إلى أن يعرفن ويميزن عن غيرهن من الإِماء، فلا يؤذين من جهة من فى قلوبهم مرض.
قال بعض العلماء: وقد يقال إن تأويل الآية على هذا الوجه، وصرها على الحرائر، قد يفهم منه أن الشارع قد أهمل أمر الإِماء، ولم يبال بما ينالهن من الإِيذاء من ضعف إيمانهم، مع أن فى ذلك من الفتنة ما فيه، فهلا كان التصون والتستر عاما فى جميع النساء؟
والجواب، أن الإِماء بطبيعة عملهن يكثر خروهجن وترددهن فى الأسواق، فإذا كلفن أن يتقنعن ويلبسن الجلباب السابغ كلما خرجن، كان فى ذلك حرج ومشقة عليهن، وليس كذلك الحرائر فإنهن مأمورات بعدم الخروج من البيوت إلا لضرورة ومع ذلك فإن القرآن الكريم قد نهى عن إيذاء المؤمنين والمؤمنات جميعا - سواء الحرائر والإِماء، وتوعد المؤذين بالعذاب المهين.. والشارع - أيضا - لم يخطر على الإِمام التستر والتقنع، ولكنه لم يكلفهن بذلك دفعا للحرج والعسر، فللأمة أن تلبس الجلباب السابغ متى تيسر لها ذلك...
هذا، ويرى الإِمام أبو حيان أن الأرجح أن المراد بنساء المؤمنين، ما يشمل الحرائر والإِماء وأن الأمر بالتستر يشمل الجميع، وأن الحكمة من وراء هذا الأمر باسدال الجلابيب عليهن، درء التعرض لهن بسوء من ضعاف الايمان.
فقد قال -رحمه الله -: والظاهر أن قوله: { وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } يشمل الحرائر والإِماء، والفتنة بالإِماء أكثر لكثرة تصرفهن، بخلاف الحرائر، فيحتاج إخراجهن من عموم النساء إلى دليل واضح.. { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ } لتسترهن بالعفة فلا يتعرض لهن، ولا يلقين بما يكرهن، لأن المرأة إذا كانت فى غاية التستر والانضمام لم يقدم عليها بخلاف المتبرجة فإنها مطموع فيها.
ويبدو لنا أن هذا الرأى الذى اتجه أبو حيان -رحمه الله - أولى بالقبول من غيره، لتمشية مع شريعة الإِسلام التى تدعو جميع النساء إلى التستر والعفاف.
ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله: { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } أى: وكان الله - تعالى - وما زال واسع المغفرة والرحمة لمن تاب إليه توبة صادقة مما وقع فيه من أخطاء وسيئات.
ثم هدد - سبحانه - المنافقين وأشباههم بسوء المصير، إذا ما استمروا فى إيذائهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين والمؤمنات. وبين - عز وجل - أن وقت قيام الساعة مرد علمه إليه وحده. وأن الكافرين عند قيامها سيندمون ولكن لن ينفعهم الندم، فقال - تعالى -: { لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَافِقُونَ...وَٱلْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً }.