خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً
٦
-الأحزاب

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

أى: النبى صلى الله عليه وسلم أحق بالمؤمنين بهم من أنفسهم وأولى فى المحبة والطاعة، فإذا ما دعاهم إلى أمر، ودعتهم أنفسهم إلى خلافه، وجب أن يؤثروا ما دعاهم إليه، على ما تدعوهم إليه أنفسهم، لأنه صلى الله عليه وسلم لا يدعوهم إلا إلى ما ينفعهم، أما أنفسهم فقد تدعوهم إلى ما يضرهم.
وفى الحديث الصحيح الذى رواه الإِمام مسلم عن أبى هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إن مثلى ومثل أمتى، كمثل رجل استوقد نارا، فجعلت الدواب والفراش يقعن فيه - أى فى الشئ المستوقد - وأنا آخذ بِحُجزكم - أى: وأنا آخذ بما يمنعكم من السقوط كملابسكم ومعاقد الإِزار - وأنتم تقحمون فيه" أى: وأنتم تحاولون الوقوع فيما يحرقكم -. قال القرطبى: قال العلماء: الحجزة: السراويل، والمعقد للإِزار، فإذا أراد الرجل إمساك من يخاف سقوطه أخذ بذلك الموضع منه، وهذا مثل لاجتهاد نبينا صلى الله عليه وسلم فى نجاتنا، وحرصه على تخليصنا من الهلكات التى بين أيدينا، فهو أولى بنا من أنفسنا.
وقال الإِمام ابن كثير. قد علم الله - تعالى - شفقة رسوله صلى الله عليه وسلم على أمته، ونصحه لهم: فجعله أولى بهم من أنفسهم، وحكمه فيهم مقدما على اختيارهم لأنفسهم.
وفى الصحيح
"والذى نفسى بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين" .
وروى البخارى عن هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به فى الدنيا والآخرة. اقرءوا إن شئتم: { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } فأيما مؤمن ترك مالا فليرثه عصبته من كانوا، فإن ترك دينا أو ضياعا فليأتنى فأنا مولاه" .
وروى الإِمام أحمد عن جابر عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه فأيما رجل مات وترك دينا فإلى، ومن ترك مالا فلورثته" .
وقال الآلوسى: وإذا كان صلى الله عليه وسلم بهذه المثابة فى حق المؤمنين، يجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم، وحكمه - عليه الصلاة والسلام - عليهم أنفذ من حكمها، وحقه آثر لديهم من حقوقها، وشفقتهم عليه أقدم من شفقتهم عليها.
وسبب نزول الآية - على ما قيل - ما روى من أنه صلى الله عليه وسلم أراد غزوة تبوك، فأمر الناس بالخروج: فقال أناس منهم: نستأذن آباءنا وأمهاتنا فنلزت. ووجه دلالتها على السبب أنه صلى الله عليه وسلم إذا كان أولى من أنفسهم، فهو أولى من الأبوين بالطريق الأولى.
ثم بين - سبحانه - منزلة أزواجه صلى الله عليه وسلم بالنسبة للمؤمنين فقال: { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } أى: وأزواجه صلى الله عليه وسلم بمنزلة أمهاتكم - أيها المؤمنون - فى الاحترام والإِكرام، وفى حرمة الزواج بهن.
قالوا: وأما ما عدا ذلك كالنظر إليهن، والخلوة بهن، وإرثهن. فهن كالأجنبيات.
ثم بين - سبحانه - أن التوارث إنما يكون بين الأقارب فقال - تعالى - { وَأُوْلُو ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً }.
والمراد بأولى الأرحام: الأقارب الذين تربط بينهم رابطة الرحم كالآباء والأبناء والإِخوة، والأخوات.
وقوله: { فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } متعلق بقوله { أَوْلَىٰ } أو بمحذوف على أنه حال من الضمير فى { أَوْلَىٰ }.
والمراد بالمؤمنين والمهاجرين. من لا تربط بينهم وبين غيرهم رابطة قرابة.
قال ابن كثير: وقد أورد ابن أبى حاتم عن الزبير بن العوام قال: أنزل الله - عز وجل - فينا خاصة معشر قريش والأنصار: { وَأُوْلُو ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } وذلك أنا معشر قريش، لما قدمنا المدينة قدمنا ولا أموال لنا، فوجدنا الأنصار نعم الإِخوان، فواخيناهم ووارثناهم.. حتى أنزل الله هذه الآية فينا معشر قريش والأنصار خاصة، فرجعنا إلى مواريثنا.
وشبيه بهذه الآية فى وجوب أن يكون التوارث بحسب قرابة الدم، قوله - تعالى - فى آخر آية من سورة الأنفال:
{ { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ مِنكُمْ وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } }. والاستثناء فى قوله - سبحانه -: { إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً } رجح بعضهم أنه استثناء منقطع. وقوله { أَن تَفْعَلُوۤاْ } مبتدأ، وخبره محذوف.
والمراد بالكتاب فى قوله { كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً } القرآن الكريم، أو اللوح المحفوظ.
والمعنى: وأولو الأرحام وهم الأقارب، بعضهم أولى ببعض فى التوارث فيما بينهم، وفى تبادل المنافع بعضهم مع بعض، وهذه الأولية والأحقية ثابتة فى كتاب الله - تعالى - حيث بين لكم فى آيات المواريث التى بسورة النساء، كيفية تقسيم التركة بين الأقارب، وهم بهذا البيان أولى فى ميراث الميت من المؤمنين والمهاجرين الذين لا تربطهم بالميت صلة القرابة.
هذا هو حكم الشرع فيما يتعلق بالتوارث، لكن إذا أردتم - أيها المؤمنون - أن تقدموا إلى غير أقاربكم من المؤمنين معروفا، كأن توصوا له ببعض المال فلا بأس، ولا حرج عليكم فى ذلك.
وهذا الحكم الذى بيناه لكم فيما يتعلق بالتوارث بين الأقارب، كان مسطورا ومكتوبا فى اللوح المحفوظ، وفى آيات القرآن التى سبق نزولها، فاعملوا بما شرعناه لكم، واتركوا ما نهيناكم عنه.
قال الشوكانى ما ملخصه: قوله: { إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً } هذا الاستثناء إما متصل من أعم العام، والتقدير: وأولو الأرحام بعضهم اولى ببعض فى كل شئ من الإِرث وغيره، إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا، من صدقة أو وصية، فإن ذلك جائز.
وإما منقطع. والمعنى: لكن فعل المعروف للأولياء لا بأس به.
والإِشارة بقوله: { كَانَ ذَلِكَ } تعود إلى ما تقدم ذكره. أى: كان نسخ الميراث بالهجرة والمخالفة والمعاقدة، ورده إلى ذوى الأرحام من القرايات { فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً } أى: فى اللوح المحفوظ، أو فى القرآن مكتوبا.
وبذلك نرى الآية الكريمة قد وضحت ما يجب على المؤمنين نحو نبيهم، وما يجب عليهم نحو أزواجه، وما يجب عليهم نحو أقاربهم فيما يتعلق بالتوارث.
ثم ذكر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم بالعهد الذى أخذه عليه وعلى الأنبياء من قبله، فقال - تعالى -: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ...عَذَاباً أَلِيماً }.