خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَاراً
٣٩
قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ ٱلظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً
٤٠
إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً
٤١
-فاطر

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

وقوله - تعالى -: { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ.. } بيان لجانب من فضله - تعالى - على بنى آدم.
و { خَلاَئِفَ } جملة خليفة، وهو من يخلف غيره.
أى: هو - سبحانه - الذى جعلكم خلفاء فى أرضه، وملككم كنوزها وخيراتها ومنافعها، لكى تشكروه على نعمه، وتخلصوا له العبادة والطاعة.
أو جعلكم خلفاء لمن سبقكم من الأمم البائدة، فاعتبروا بما أصابهم من النقم بسبب إعراضهم عن الهدى، واتبعوا ما جاءكم به من رسولكم صلى الله عليه وسلم.
وقوله { فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ } أى: فمن كفر بالحق الذى جاءه به الرسول صلى الله عليه وسلم واستمر على ذلك، فعلى نفسه يكون وبال كفره لا على غيره.
{ وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً } أى: لا يزيدهم إلا بغضاً شديداً من ربهم لهم، واحتقارهم لحالهم وغضباً عليهم...
فالمقت: مصدر بمعنى البغض والكراهية، وكانوا يقولون لمن يتزوج امرأة أبيه وللولد الذى يأتى عن طريق هذا الزواج، المقتى، أى: المبغوض.
{ وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَاراً } أى: ولا يزيدهم إصرارهم على كفرهم إلا خسارا وبوارا وهلاكا فى الدنيا والآخرة.
فالآية الكريمة تنفر اشد التنفير من الكفر، وتؤكد سوء عاقبته، تارة عن طريق بيان أنه مبغوض من الله - تعالى -، وتارة عن طريق بيان أن المتلبس به، لن يزداد إلا خسراناً وبوارا.
ثم أمر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتحدى هؤلاء المشركين، وأن يوبخهم على عنادهم وجحودهم فقال: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ... } .
أى: قل - أيها الرسول الكريم - على سبيل التبكيت والتأنيب لهؤلاء المشركين. أخبرونى وأنبئونى عن حال شركائكم الذين عبدتموهم من دون الله، ماذا فعلوا لكم من خير أو شر، وأرونى أى جزء خلقوه من الأرض حتى استحقوا منكم الألوهية والشركة مع الله - تعالى - فى العبادة؟
إنهم لم يفعلوا - ولن يفعلوا - شيئاً من ذلك، فكيف أبحتم لأنفسكم عبادتهم؟
وقوله { أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ } تبكيت آخر لهم. أى: وقل لهم: إذا كانوا لم يخلقوا شيئاً من الأرض، فهل لهم معنا شركة فى خلق السماوات أو فى التصرف فيها، حتى يستحقوا لذلك مشاركتنا فى العبادة والطاعة.
وقوله: { أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّنْهُ } تبكيت ثالث لهم. أى: وقل لهم إذا كانوا لم يخلقوا شيئاً من الأرض، ولم يشاركونا فى خلق السماوات، فهل نحن أنزلنا عليهم كتاباً أقررنا لهم فيه بمشاركتنا، فتكون لهم الحجة الظاهرة البينة على صدق ما يدعون؟
والاستفهام فى جميع أجزاء الاية الكريمة للإِنكار والتوبيخ.
والمقصود بها قطع كل حجة يتذرعون بها فى شركهم، وإزهاق باطلهم بألوان من الأدلة الواضحة التى تثبت جهالاتهم، حيث أشركوا مع الله - تعالى - ما لا يضر ولا ينفع، وما لا يوجد دليل أو ما يشبه الدليل على صحة ما ذهبوا إليه من كفر وشرك.
ولذا ختمت الآية الكريمة بالإِضراب عن أوهامهم وبيان الأسباب التى حمتلهم على الشرك، فقال - تعالى -: { بَلْ إِن يَعِدُ ٱلظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً }.
أى: أن هؤلاء الشركاء لم يخلقوا شيئاً من الأرض ولا من السماء، ولم نؤتهم كتاباً بأنهم شركاء لنا فى شئ، بل الحق أن الظالمين يخدع بعضهم بعضاً، ويعد بعضهم بعضاً بالوعود الباطلة، بأن يقول الزعماء لأتباعهم: إن هؤلاء الآله هم شفعاؤنا عند الله، وأننا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فيترتب على قولهم هذا، أن ينساق الأتباع وراءهم كما تنساق الأنعام وراء راعيها.
وبعد أن بين - سبحانه - ما عليه المعبودات الباطلة من عجز وضعف، أتبع ذلك ببيان جانب من عظيم قدرته، وعميم فضله فقال: { إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ.. }.
أى: إن الله - تعالى - بقدرته وحدها، يمسك السماوات والأرض كراهة أن نزولاً، أو يمنعهما ويحفظهما من الزوال أو الاضمحلال أو الاضطراب، ولئن زالتا - على سبيل الفرض والتقدير - فلن يستطيع أحد أن يمسكها ويمنعها عن هذا الزوال سوى الله - تعالى - { إِنَّهُ } - سبحانه - { كَانَ } وما زال { حَلِيماً } بعباده { غَفُوراً } لمن تاب إليه وأناب، كما قال - تعالى -:
{ { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ } }. قال الآلوسى: قوله: { وَلَئِن زَالَتَآ } أى: إن أشرفتا على الزوال على سبيل الفرض والتقدير، { إِنْ أَمْسَكَهُمَا } أى: ما أمسكهما { مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ } أى: من بعد إمساكه - تعالى - أو من بعد الزوال، والجملة جواب القسم المقدر قبل لام التوطئة فى { لَئِن }. وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه.. و { مِّن } الأولى مزيدة لتأكيد العموم. والثانية للابتداء.
ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بما كان عليه المشركون من نقض العهود، ومن مكر سئ حاق بهم، ودعاهم - سبحانه - إلى الاعتبار بمن سبقهم، وبين لهم جانباً من مظاهر فضله عليهم. ورأفته بهم فقال - تعالى -: { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ..كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً }.