خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَجَآءَ مِنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ
٢٠
ٱتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُّهْتَدُونَ
٢١
وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
٢٢
أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ ٱلرَّحْمَـٰنُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونَ
٢٣
إِنِّيۤ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٢٤
إِنِّيۤ آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَٱسْمَعُونِ
٢٥
قِيلَ ٱدْخُلِ ٱلْجَنَّةَ قَالَ يٰلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ
٢٦
بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُكْرَمِينَ
٢٧
وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ
٢٨
إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ
٢٩
يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
٣٠
أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ
٣١
وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ
٣٢
-يس

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

وقوله - سبحانه -: { وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى ٱلْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ.. } معطوف على كلام محذوف يفهم من سياق القصة، والتقدير:
وانتشر خبر الرسل بين أصحاب القرية، وعلم الناس بتهديد بعضهم لهم { وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى ٱلْمَدِينَةِ } أى من أبعد مواضعها { رَجُلٌ يَسْعَىٰ } أى: رجل ذو فطرة سليمة، يسرع الخطا لينصح قومه، وينهاهم عن إيذاء الرسل ويأمرهم باتباعهم.
قالوا: وهذا الرجل كان اسمه حبيب النجار، لأنه كان يشتغل بالنجارة.
وقد أكثر بعض المفسرين هنا من ذكر صناعته وحاله قبل مجيئه، ونحن نرى أنه لا حاجة إلى ذلك، لأنه لم يرد نص صحيح يعتمد عليه فيما ذكروه عنه.
ويكفيه فخرا هذا الثناء من الله - تعالى - عليه بصرف النظر عن اسمه أو صنعته أو حاله، لأن المقصود من هذه القصة وأمثالها فى القرآن الكريم هو الاعتبار والافتداء بأهل الخير.
وعبر هنا بالمدينة بعد التعبير عنها فى أول القصة بالقرية للإِشارة إلى سعتها، وإلى أن خبر هؤلاء الرسل قد انتشر فيها من أولها إلى آخرها.
والتعبير بقوله: { يسعى }: يدل على صفاء نفسه، وسلامة قلبه، وعلو همته، ومضاء عزيمته، حيث أسرع بالحضور إلى الرسل وإلى قومه، ليعلن أمام الجميع كلمة الحق، ولم يرتض أن يقبع فى بيته - كما يفعل الكثيرون - بل هرول نحو قومه، ليقوم بواجبه فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
وقوله - تعالى -: { قَالَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ } بيان لما بدأ ينصح قومه به بعد وصوله إليهم.
أى: { قال } لقومه على سبيل الإِرشاد والنصح { يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ } الذين جاءوا لهدايتكم إلى الصراط المستقيم، ولإِنقاذكم من الضلال المبين الذى انغمستم فيه.
ثم أكد هذه الدعوة بقوله: { ٱتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } اتبعوا هؤلاء الرسل الذين جاءوا بأمر ربكم إليكم، ليرشدوكم إلى الطريق الحق، والحال أنهم فى أنفسهم ثابتون على الهدى، راسخون فى التمسك بالعقيدة السليمة.
ثم أخذ بعد ذلك فى حض قومه على اتباع الحق، عن طريق بيان الأسباب التى حملته على الإِيمان، حتى يستثير قلوبهم نحو الهدى، فقال - كما حكى القرآن عنه -: { وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ ٱلرَّحْمَـٰنُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونَ. إِنِّيۤ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ. إِنِّيۤ آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَٱسْمَعُونِ }.
أى: قال الرجل الصالح لقومه: وأى مانع يمنعنى من أن أعبد الله - تعالى - وحده، لأنه هو الذى خلقنى ولم أكن قبل ذلك شيئا مذكورا، وهو الذى إليه يكون مرجعكم بعد مماتكم، فيحاسبكم على أعمالكم فى الدنيا، ويجازيكم عليها بما تستحقون من ثواب أو عقاب.
والاستفهام فى قوله: { أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً.. } للإِنكار والنفى.
أى: لا يصح ولا يجوز أن اتخذ معه فى العبادة آلهة أخرى، كائنة ما كانت هذه الآلهة، لأنه { إِن يُرِدْنِ ٱلرَّحْمَـٰنُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً } من النفع، حتى ولو كان هذا النفع فى نهاية القلة والحقارة.
{ وَلاَ يُنقِذُونَ }: ولا تستطيع هذه الآلهة إنقاذى وتخليصى مما يصيبنى من ضر أراد الرحمن أن ينزله بى.
{ إِنِّيۤ إِذاً } لو اتخذت هذه الآلهة شريكا مع الله فى العبادة { لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } أى: لأكونن فى ضلال واضح لا يخفى على أحد من العقلاء.
ثم ختم حديثه معهم بإعلان إيمانه بكل صراحة وقوة فقال: { إِنِّيۤ آمَنتُ بِرَبِّكُمْ }، الذى خلقكم ورزقكم { فاسمعون } أى: فاسمعوا ما نطقت به، واشهدوا لى بأنى آمنت بربكم الذى خلقكم وخلقنى، وكفرت بهؤلاء الشركاء، ولن أشرك معه - سبحانه - فى العبادة أحدا. مهما كانت النتائج.
وهكذا نرى الرجل الصالح الذى استقر الإِيمان فى قلبه ومشاعره ووجدانه يدافع عن الحق الذى آمن به دفاعا قويا دون أن يخشى أحدا إلا الله، ويدعو قومه بشتى الأساليب إلى اتباعه ويقيم لهم ألوانا من الأدلة على صحة ما يدعو إليه.
ثم يصارحهم فى النهاية، ويشهدهم على هذه المصارحة، بأنه قد آمن بما جاء به الرسل إيمانا لا يقبل الشك أو التردد، ولا يثنيه عنه وعد أو وعيد أو إيذاء أو قتل.
ورحم الله صاحب الكشاف، فقد أجاد فى تصوير هذه المعانى فقال ما ملخصه: قوله { ٱتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } كلمة جامعة فى الاستجابة لدعوة الرسل، أى: لا تخسرون معهم شيئا من دنياكم، وتربحون صحة دينكم، فينتظم لكم خير الدنيا وخير الآخرة.
ثم أبرز الكلام فى معرض المناصحة لنفسه، وهو يريد مناصحتهم، وليتلطف بهم وبداريهم... فقال: { وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }.
ثم قال: { إِنِّيۤ آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَٱسْمَعُونِ } يريد فاسمعوا قولى وأطيعونى، فقد نيهتكم على الصحيح الذى لا معدل عنه، أن العبادة لا تصح إلا لمن منه مبتدؤكم وإليه مرجعكم.
ولكن هذه النصائح الغالية الحكيمة من الرجل الصالح لقومه، لم تصادف أذنا واعية بل إن سياق القصة بعد ذلك ليوحى بأن قومه قتلوه، فقد قال - تعالى - بعد أن حكى نصائح هذا الرجل لقومه، { قِيلَ ٱدْخُلِ ٱلْجَنَّةَ.. }
أى: قالت الملائكة لهذا الرجل الصالح عند موته على سبيل البشارة: ادخل الجنة بسبب إيمانك وعملك الطيب.
قال الآلوسى: قوله: { قِيلَ ٱدْخُلِ ٱلْجَنَّةَ.. } استئناف لبيان ما وقع له بعد قوله ذلك.
والظاهر أن الأمر المقصود به الإِذن له بدخول الجنة حقيقة، وفى ذلك إشارة إلى أن الرجل قد فارق الحياة، فعن ابن مسعود أنه بعد أن قال ما قال قتلوه..
وقيل: الأمر للتبشير لا للإِذن بالدخول حقيقة، أى: قالت ملائكة الموت وذلك على سبيل البشارة له بأنه من أهل الجنة - يدخلها إذا دخلها المؤمنون بعد البعث.
وقوله - تعالى -: { قَالَ يٰلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ. بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُكْرَمِينَ } استئناف بيانى لبيان ما قاله عند البشارة.
أى: قيل له ادخل الجنة بسبب إيمانك وعملك الصالح، فرد وقال: يا ليت قومى الذين قتلونى ولم يسمعوا نصحى، يعلمون بما نلته من ثواب من ربى، فقد غفر لى - سبحانه - وجعلنى من المكرمين عنده، بفضله وإحسانه..
قال ابن كثير: ومقصوده - من هذا القول - أنهم لو اطلعوا على ما حصل عليه من ثواب ونعيم مقيم، لقادهم ذلك إلى اتباع الرسل، فرحمه الله ورضى عنه، فلقد كان حريصا على هداية قومه.
روى ابن أبى حاتم أن عروة بن مسعود الثقفى، قال للنبى صلى الله عليه وسلم:
"ابعثني إلى قومي أدعوهم إلى الإِسلام، فقال له صلى الله عليه وسلم إني أخاف أن يقتلوك فقال: يا رسول الله، لو وجدوني نائماً ما أيقظونى. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق إليهم فانطلق إليهم، فمر على اللات والعزى، فقال: لأصْبِحَنك غداً بما يسؤوك، فغضبت ثقيف فقال لهم: يا معشر ثقيف: أسلموا تسلموا - ثلاث مرات -. فرماه رجل منهم فأصاب أكْحَلَه فقتله - والأكحل: عرق فى وسط الذراع - فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال: هذا مثله كمثل صاحب يس { قَالَ يٰلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ. بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُكْرَمِينَ }" .
وقال صاحب الكشاف ما ملخصه: وقوله: { يٰلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ.. } إنما تمنى علم قومه بحاله، ليكون علمهم بها سببا لاكتساب مثلها لأنفسهم، بالتوبة عن الكفر، والدخول فى الإِيمان.. وفى حديث مرفوع: "نصح قومه حيا وميتا" .
وفيه تنبيه عظيم على وجوب كظم الغيظ والحلم عن أهل الجهل والترؤف على من أدخل نفسه فى غمار الأشرار وأهل البغى، والتشمر فى تخليصه، والتلطف فى افتدائه، والاشتغال بذلك عن الشماتة به، والدعاء عليه، ألا ترى كيف تمنى الخير لقتلته، وللباغين له الغوائل وهم كفرة وعبدة أصنام.
ثم بين - سبحانه - ما نزل بأصحاب القرية من عذاب أهلكهم فقال: { وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ } أى: من بعد موته.
{ مِن جُندٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } لأنهم كانوا أحقر وأهون من أن نفعل معهم ذلك.
{ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ } أى: وما صح وما استقام فى حكمتنا أن ننزل عليهم جندا من السماء، لهوان شأنهم، وهوان قدرهم.
{ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً } أى: ما كانت عقوبتنا لهم إلا صيحة واحدة صاحها بهم جبريل بأمرنا.
{ فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ } أى: هامدون ميتون، شأنهم فى ذلك كشأن النار التى أصابها الخمود والانطفاء، بعد أن كانت مشتعلة ملتهبة، يقال. خمدت النار تخمد خمودا. إذا سكن لهيبها، وانطفأ شررها، وخمد الرجل - كقعد - إذا مات وانقطعت أنفاسه.
وهكذا كانت نهاية الذين كذبوا المرسلين، وقتلوا المصلحين، فقد نزلت بهم عقوبة الله - تعالى - فجعلتهم فى ديارهم جاثمين.
وبعد أن بين - سبحانه - سوء مصارع المكذبين، أتبع ذلك بدعوة الناس إلى الاتعاظ بذلك من قبل فوات الأوان، فقال - تعالى -: { يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }
والحسرة: الغم والحزن على ما فات، والندم عليه ندما لا نفع من ورائه، كأن المتحسر قد انحسرت عنه قواه وذهبت، وصار فى غير استطاعته إرجاعها.
و "يا" حرف نداء و "حسرة" منادى ونداؤها على المجاز بتنزيلها منزلة العقلاء.
والمراد بالعباد: أولئك الذين كذبوا الرسل، وآثروا العمى على الهدى، ويدخل فيهم دخولا أوليا أصحاب تلك القرية المهلكة
والمقصود من الآية الكريمة، التعجب من حال هؤلاء المهلكين، وبيان أن حالهم تستحق التأثر والتأسف والاعتبار، لأنها حالة تدل على بؤسهم وظلمهم لأنفسهم وجهلهم.
والمعنى: يا حسرة على العباد الذين أهلكوا بسبب إصرارهم على كفرهم احضرى فهذا أوان حضورك، فإن هؤلاء المهلكين كانوا فى دنياهم ما يأتيهم من رسول من الرسل، إلا كانوا به يستهزئون، ويتغامزون، ويستخفون به وبدعوته، مع أنهم - لو كانوا يعقلون. لقابلوا دعوة رسلهم بالطاعة والانقياد.
قال صاحب الكشاف: قوله: { يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ... } نداء للحسرة عليهم، كأنما قيل لها: تعالى يا حسرة فهذه من أحوالك التى حقك أن تحضرى فيها، وهى حال استهزائهم بالرسل.
والمعنى: أنهم أحقاء بأن يتحسر عليهم المتحسرون، ويتلهف عليهم المتلهفون. أو هم متحسر عليهم من جهة الملائكة والمؤمنين من الثقلين.
وقرئ: يا حسرة العباد، على الإضافة إليهم لاختصاصها بهم، من حيث إنها موجهة إليهم.
أى: يا حسرة العباد منهم على أنفسهم، بسبب تكذيبهم لرسلهم، واستهزائهم بهم.
ثم وبخ - سبحانه - كفار مكة، بسبب عدم اعتبارهم بمن سبقهم فقال: { أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ }.
والقرون: جمع قرن. وهم القوم المتقرنون فى زمن واحد. و "كم" خبرية بمعنى كثير.
أى: ألم يعلم كفار مكة أننا أهلكنا كثيرا من الأمم السابقة عليهم، بسبب إصرارهم على كفرهم، واستهزائهم برسلهم، وأن هؤلاء المهلكين لا يرجعون إليهم ليخبروهم بما جرى لهم، لأنهم لن يستطيعوا ذلك فى الدنيا، لحكمة أرادها الله - تعالى -.
ولكن الجميع سيعودون إليه - سبحانه - وسيبعثهم يوم القيامة من قبورهم للحساب والجزاء، كما قال - تعالى -: { وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ }.
و "إن" حرف نفى، و "كل" مبتدأ، والتنوين فيه عوض عن المضاف إليه و "لما" بمعنى إلا. و { جميع } خبر المبتدأ. و { محضرون } خبر ثان.
أى: لقد علم أهل مكة وغيرهم أننا أهلكنا كثيرا من القرى الظالم أهلها. وأن هؤلاء المهلكين لن يرجعوا إلى أهل مكة فى الدنيا، ولكن الحقيقة التى لا شك فيها أنه ما من أمة من الأمم، أو جماعة من الجماعات المتقدمة أو المتأخرة إلا ومرجعها إلينا يوم القيامة، لنحاسبها على أعمالها، ولنجازيها بالجزاء الذى تستحقه.
كما قال - سبحانه - فى آية أخرى:
{ وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك ألوانا من الأدلة الدالة على وحدانيته وقدرته، وهذه الأدلة منها ما هو أرضى، ومنها ما هو سماوى، ومنه ما هو بحري، وكلها تدل - أيضا - على فضله ورحمته، قال - تعالى -:
{ وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ... }.