خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ
١٧١
إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ
١٧٢
وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ
١٧٣
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ
١٧٤
وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ
١٧٥
أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ
١٧٦
فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَآءَ صَبَاحُ ٱلْمُنْذَرِينَ
١٧٧
وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ
١٧٨
وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ
١٧٩
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ
١٨٠
وَسَلاَمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ
١٨١
وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
١٨٢
-الصافات

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

والمراد بكلمتنا فى قوله: { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا.. } ما وعد الله - تعالى - به رسله وعباده الصالحين من جعل العاقبة الطيبة لهم.
ومن الآيات التى وردت فى هذا المعنى قوله - تعالى -:
{ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَادُ } وقوله - سبحانه - { كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } أى: والله لقد سبق وعدنا لعبادنا المرسلين بالنصر والفوز { إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ } على أعدائهم { وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } لمن عاداهم وناوأهم.
وهذا الوعد بالنصر لا يتعارض مع هزيمتهم فى بعض المواطن - كيوم أحد مثلا - لأن هذه الهزيمة إنما هى لون من الابتلاء الذى اقتضته حكمة الله - تعالى - ليتميز قوى الإِيمان من ضعيفه، أما النصر فى النهاية فهو للمؤمنين وهذا ما حكاه لنا التاريخ الصحيح، فقد تم فتح مكة، ودخل الناس فى دين الله أفواجا، بعد أن جاهد النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهزموا الكافرين، ولم يفارق الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الدنيا إلا بعد أن صارت كلمة الله هى العليا، وكلمة الذين كفروا هى السفلى.
ثم أمر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن المشركين، وبالصبر على أذاهم، فقال: { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ } أى: فأعرض عنهم إلى وقت الذى يأذن الله لك فيه بقتالهم { وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ } أى: وانظر إليهم وراقبهم عندما ينزل بهم عذابنا، فسوف يبصرون هم ذلك فى دنياهم وفى آخرتهم.
والأمر بمشاهدة ذلك: إشعار بأن نصره صلى الله عليه وسلم عليهم، آت لا ريب فيه حتى لكأنه وواقع بين يديه، مشاهد أمامه.
والاستفهام فى قوله - سبحانه -: { أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ } للتوبيخ والتأنيب.
أى أبلغ الجهل وانطماس البصيرة بهؤلاء المشركين، أنهم يستعجلون عذابنا.
عن ابن عباس - رضى الله عنهما - أن المشركين قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: يا محمد أرنا العذاب الذى تخوفنا به، فنزلت هذه الآية.
ثم بين - سبحانه - حالهم عندما ينزل بهم هذا العذاب الذى استعجلوا نزوله فقال { فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَآءَ صَبَاحُ ٱلْمُنْذَرِينَ }.
والساحة فى الأصل تطلق على الفتاء الواسع للدار والمراد بها هنا القوم الذين يكونون فيها والمخصوص بالذم محذوف.
أى: فإذا نزل العذاب بهؤلاء المشركين، فبئس الصباح صباحهم. ولن ينفعهم حينئذ ندم أو توبة، وخص الصباح بالذكر، لأن العذاب كان يأتيهم فيه فى الغالب.
أخرج الشيخان عن أنس، رضى الله عنه. قال:
"صبح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، فلما خرجوا بفئوسهم ومساحيهم ورأوا الجيش، رجعوا يقولون: محمد والله، محمد والخميس - أى: والجيش فقال صلى الله عليه وسلم: الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين" .
ثم كرر - سبحانه - تهديده ووعيده لهم على سبيل التأكيد لعلهم يعتبرون فقال: { وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ. وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ } أى: وأعرض عنهم حتى حين، وأبصر ما توعدناهم به من عذاب أليم، فسوف يبصرون هم ذلك.
{ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ } أى: تنزه وتقدس ربك - أيها الرسول الكريم - عما وصفه به الواصفون الجاهلون من صفات لا تليق بذاته.
وقوله { رَبِّ ٱلْعِزَّةِ } بدل من ربك: أى هو صاحب العزة والغلبة والقوة التى لا يقف أمام قوتها شئ والتى لا يملكها أحد سواه.
{ وَسَلاَمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ } أى: سلام وأمان وتحية منا على المرسلين { وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أى: والثناء الكامل لله - تعالى - رب العالمين جميعا وخالقهم ورازقهم، ومحييهم ومميتهم.