خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ
٤٠
أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ
٤١
فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ
٤٢
فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ
٤٣
عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ
٤٤
يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ
٤٥
بَيْضَآءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ
٤٦
لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ
٤٧
وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ عِينٌ
٤٨
كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ
٤٩
-الصافات

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

قال الآلوسى ما ملخصه: قوله: { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } استثناء منقطع من ضمير "ذائقو" وما بينهما اعتراض جئ به مسارعة إلى تحقيق الحق. ببيان أن ذوقهم العذاب ليس إلا من جهتهم لا من جهة غيرهم أصلا. فإلا مؤولة بلكن.
فالمعنى: إنكم - أيها المشركون - لذائقو العذاب الأليم، لكن عباد الله المخلصين - ليسوا كذلك - أولئك لهم رزق معلوم..
ولفظ { ٱلْمُخْلَصِينَ } قرأه بعض القراء السبعة - بفتح اللام - أى: لكن عباد الله - تعالى - الذين أخلصهم الله - تعالى - لطاعته وتوحيده ليسوا كذلك.
وقرأه البعض الآخر بكسر اللام. أى: لكن عباد الله الذين أخلصوا له العبادة والطاعة، لا يذوقون حر النار كالمشركين.
واسم الإِشارة فى قوله: { أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ } يعود إلى هؤلاء العباد المخلصين.
أى: أولئك العباد المتصفون بتلك الصفة الكريمة وهى الإِخلاص، لهم رزق عظيم معلوم فى وقته، كما قال - تعالى -:
{ وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } ومعلوم فى خصائصه الكريمة وصفاته الحسنة ككونه لذيذ الطعم، حسن المنظر، غير مقطوع ولا ممنوع إلى غير ذلك من الصفات التى تجعله محل الرغبة والاشتهاء.
وقوله - تعالى -: { فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ } بدل مما قبله، أو خبر لمبتدأ محذوف، أى هذا الرزق المعلوم، هو فواكه.
والمراد بهذه الفواكه: ما يأكله الآكل على سبيل التلذذ والتفكه، وجميع ما يأكله أهل الجنة كذلك حتى اللحم والخبز، لأنهم فى الجنة فى غنى عن القوت الذى يحفظون به حياتهم. وخصت الفاكهة بالذكر لأنها أطيب ما يأكله الآكلون.
وفضلا عن كل ذلك فهم فيها منعمون مكرمون، لا يحتاجون إلى شئ إلا ويجدونه بين أيديهم، بفضل الله - تعالى - ورحمته.
ثم بين - سبحانه - مكانهم وهيئتهم فقال: { فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ. عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ }
أى: هم فى جنات ليس فيها إلا النعيم الدائم، وهم فى الوقت نفسه يجلسون على سرر متقابلين، بأن تكون وجوههم متقابلة لا متدابرة، فإن من شأن المتصافين أن يجلسوا متقابلين.
{ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } والكأس. هو الإِناء الذى فيه شراب، فإن لم يكن فيه شراب فهو قدح، وقد يسمى الشراب ذاته كأسا، فيقال: شربت كأسا، وذلك من باب تسمية الشئ باسم محله.
و { مَّعِينٍ } اسم فاعل من معن وهو صفة لكأس مأخوذ من عان الماء إذا نبع وظهر على الأرض. أى: يطاف على هؤلاء العباد المخلصين وهم فى الجنة، بكأس ملئ بخمر لذة للشاربين، نابعة من العيون، وظاهرة للأبصار، تجرى فى أنهار الجنة كما تجرى المياه فى الأنهار.
فالتعبير بقوله - تعالى - { بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } يشعر بكثرتها، وقربها ممن يريدها.
وقوله - تعالى -: { بَيْضَآءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ } صفتان للكأس باعتبار ما فيه.
أى هذه الخمر التى يطاف بها عليهم، بيضاء اللون، لذيذة الطعم والرائحة عند الشاربين.
{ لاَ فِيهَا غَوْلٌ } أى: أذى أو مضرة، والغَوْل. إهلاك الشئ - على غرة وغفلة.
يقال: غاله يغوله غولا، واغتاله اغتيالا، إذا قضى عليه بغتة، وأخذه من حيث لا يشعر.
أى: أن خمر الآخرة ليس فيها ما يضر أو يؤذى، كما هو الحال بالنسبة لخمر الدنيا { وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ } و { عن } هنا للسببية، فهى بمعنى الباء، أى: ولا هم بسبب شربها تذهب عقولهم، وتختل أفكارهم، كما هو الحال فى خمر الدنيا.
وأصل النَّزْف: نَزْعُ الشئ من مكانه وإذهابه بالتدريج، يقال: نزف فلان ماء البئر ينزفه - من باب ضرب - إذا نزحه شيئا فشيئا إلى نهايته، ويقال: نُزف الرجل - كعُنَى - إذا سكر حتى اختل عقله، وخصت هذه المفسدة بالذكر مع عموم ما قبلها، لكونها من أعظم مفاسد الخمر.
وقوله - تعالى -: { وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ عِينٌ } بيان لمتعة أخرى من المتع التى أحلها الله - تعالى - لهم.
وقاصرات: من القصر بمعنى الحبس، وعين، جمع عيناء، وهى المرأة الواسعة العين فى جمال. أى وفضلا عن ذلك، فقد متعنا هؤلاء العباد بمتع أخرى. وهى أننا جعلنا عندهم للمؤانسة نساء قصرن أبصارهن على أزواجهن لا يمدونها إلى غيرهم، لشدة محبتهن لهم، ومن صفات هؤلاء النساء - أيضا أنهن جميلات العيون.
{ كَأَنَّهُنَّ } أى: هؤلاء النسوة { بَيْضٌ مَّكْنُونٌ }، أى: كأنهن كبيض النعام. الذى أخفاه الريش فى العش، فلم تمسه الأيدى، ولم يصبه الغبار، فى صفاء البشرة، ونقاء الجسد.
وشبههن ببيض النعام، لأن لونه مع بياضه وصفائه يخالطه شئ من الصفرة وهو لون محبوب فى النساء عند العرب ولذا قالوا فى النساء الجميلات: بيضات الخدور.
وإلى هنا تجد الآيات الكريمة قد بشرت عباد الله المخلصين. بالعطاء المتنوع الجزيل، الذى تنشرح له الصدور، وتقر به العيون، وتبتهج له النفوس.
ثم حكى - سبحانه - بعض المحاورات التى تدور بين عباده المخلصين، بعد أن رأوا ما أعده - سبحانه - لهم من نعيم مقيم.. فقال - تعالى -:
{ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ... }.