خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِزِينَةٍ ٱلْكَوَاكِبِ
٦
وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ
٧
لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ
٨
دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ
٩
إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ
١٠
-الصافات

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

وقوله - تعالى - { زَيَّنَّا } من التزيين بمعنى التحسين والتجميل. والمراد بالسماء الدنيا: السماء التى هى أقرب سماء إلى الأرض. فالدنيا مؤنث أدنى بمعنى أقرب.
والكواكب: جمع كوكب وهو النجم الذى يرى فى السماء.
وقوله: { بِزِينَةٍ ٱلْكَوَاكِبِ } فيه ثلاث قراءات سبعية، فقد قرأ الجمهور بإضافة زينة إلى الكواكب. أى: بلا تنوين فى لفظ "بزينة". وقرأ بعضهم بتنوين لفظ "زينة" وخفض لفظ الكواكب على أنه بدل منه. وقرأ بعضهم بتنوين لفظ { بِزِينَةٍ } ونصب لفظ الكواكب، على أنه مفعول لفعل محذوف أى: أعنى الكواكب.
والمعنى: إنا بقدرتنا وفضلنا زينا السماء الدنيا التى ترونها بأعينكم - أيها الناس - بالكواكب، فجعلناها مضيئة بحيث تهتدون بها فى سيركم من مكان إلى مكان.
كما قال - تعالى - فى آية أخرى:
{ وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ } ومما لا شك أن منظر السماء وهى مليئة بالنجوم، يشرح الصدور، ويؤنس النفوس، وخصوصا للسائرين فى فجاح الأرض، أو ظلمات البحر.
قوله - سبحانه -: { وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ } ينان لما أحاط به - سبحانه - السماء الدنيا من حفظ ورعاية.
ولفظ "حفظا" منصوب على المصدرية بإضمار فعل قبله. أى وحفظناها حفظا، أو معطوف على محل "بزينة".
والشيطان: كل متمرد من الجن والإِنس والدواب. والمراد به هنا: المتمرد من الجن.
والمارد: الشديد العتو والخروج عن طاعة الله - تعالى - المتعرى من كل خير.
أى: إنا جعلنا السماء الدنيا مزينة بالكواكب وضيائها، وجعلناها كذلك محفوظة من كل شيطان متجرد من الخير، خارج عن طاعتنا ورحمتنا.
وقوله - سبحانه -: { لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ. دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ } جملة مستأنفة لبيان حالهم عند حفظ السماء، وبيان كيفية الحفظ، وما يصيبهم من عذاب وهلاك إذا ما حاولوا استراق السمع منها.
ولفظ "يسَّمَّعوُن" بتشديد السين - وأصله يتسمعون. فأدغمت التاء فى السين والضمير للشياطين، وقرأ الجمهور { لا يَسْمعون } بإسكان السين.
قال صاحب الكشاف: الضمير فى { لاَّ يَسَّمَّعُونَ } لكل شيطان، لأنه فى معنى الشياطين، وقرئ بالتخفيف والتشديد. وأصله "يتسمعون". والتسمع: تطلب السماع. يقال: تسمع فسمع. أو فلم يسمع.
فإن قلت: أى فرق بين سمعت فلانا يتحدث، وسمعت إليه يتحدث. وسمعت حديثه، وإلى حديثه؟
قلت: المعدى بنفسه يفيد الإِدراك، والمعد بإلى يفيد الإِصغاء مع الإِدراك.
والملأ فى الأصل: الجماعة يجتمعون على أمر فيملأون النفوس هيبة، والمراد بالملأ الأعلى هنا: الملائكة الذين يسكنون السماء.
وسموا بذلك لشرفهم، ولأنهم فى جهة العلو، بخلاف غيرهم فإنهم يسكنون الأرض.
وقوله: { وَيُقْذَفُونَ } من القذف بمعنى الرجم والرمى، و { دُحُوراً } مفعولا لأجله، أى: يقذفون لأجل الدُّحور، وهو الطرد والإِبعاد، مصدر دَحَرَه يدْحَرُهُ دَحْراً ودُحُوراً: إذا طرده وأبعده.
والواصب: الدائم، من الوصوب بمعنى الدوام، يقال: وَصَب الشئ يَصِبُ وصُوباً، إذا دام وثبت، ومنه قوله:
{ وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِباً } أى: دائما ثابتا.
والمعنى: إنا زينا السماء الدنيا بنور الكواكب، وحفظناها - بقدرتنا ورعايتنا - من كل شيطان متجرد من الخير، فإن هذا الشيطان وأمثاله كلما حاولوا الاستماع إلى الملائكة فى السماء لم نمكنهم من ذلك، بل قذفناهم ورجمناهم بالشهب والنيران من كل جانب من جوانب السماء، من أجل أن ندمرهم ونطردهم ونبعدهم عنها، ولهم منا - فوق كل ذلك - عذاب دائم ثابت لا نهاية له.
وقوله: { إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ } استثناء من الواو فى "يسمعون" و "مَنْ" فى محل بدل من الواو.
والخطف: الأخذ للشئ بسرعة وخفية واختلاس وغفلة من المأخوذ منه.
أى: لا يسمع الشياطين إلى الملأ الأعلى، إلا الشيطان الذى خطف الخطفة من كلام الملائكة بسرعة وخفة، فيما يتفاوضون فيه من أحوال البشر - دون ما يتعلق بالوحى - فإنه فى هذه الحالة يتبع هذا الشيطان ويلحقه { شِهَابٌ ثَاقِبٌ } أى: شعلة من النار تثقب الجو بضوئها فتهلكه وتحرقه وتثقبه وتمزقه.
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى -:
{ وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَآءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً. وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } ومما يدل على أن استراقهم للسمع، واختطافهم للخطفة، إنما يكون فى غير الوحى، قوله - تعالى - { إِنَّهُمْ عَنِ ٱلسَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ } وعن ابن عباس - رضى الله عنهما - قال: كانت الشياطين مقاعد فى السماء فكانوا يستمعون الوحى قال: وكانت النجوم لا تجرى، وكانت الشياطين لا ترمى. قال: فإذا سمعوا الوحى نزلوا إلى الأرض، فزادوا فى الكلمة تسعا. قال: فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الشيطان إذا قعد مقعده، جاءه شهاب فلم يخطئه حتى يحرقه.
ثم أمر - سبحانه - رسوله صلى الله عليه وسلم أن يوبخ المنكرين للبعث والحساب، وحكى جانبا من أقوالهم الباطلة حول هذه القضية، ورد عليهم ردا يزهق باطلهم.. فقال - تعالى -:
{ فَٱسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَآ... }.