خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ
٢٧
أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَٱلْمُفْسِدِينَ فِي ٱلأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ
٢٨
كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوۤاْ آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ
٢٩

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

والمراد بالباطل فى قوله - تعالى -: { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً... } العبث واللهو واللعب وما يخالف الحق، والجملة الكريمة مستأنفة لتقرير أن يوم القيامة حق، وأن كفر الكافرين به ضلال وجهل. وقوله { بَاطِلاً } صفة لمصدر محذوف، أو مفعول لأجله. أى: وما خلقنا - بقدرتنا التى لا يعجزها شئ - السموات والأرض وما بينهما من مخلوقات لا يعلمها إلا الله - تعالى - .. ما خلقنا ذلك خلقا باطلا لا حكمة فيه، أو خلقناه من أجل متابعة الهوى وترك العدل والصواب.
وإنما خلقنا هذا الكون خلقا مشتملا على الحكم الباهرة، وعلى المصالح الجمة والأسرار البليغة، والمنافع التى لا يحصيها العد، والهيئات والكيفيات التى تهدى من يتفكر فيها إلى اتباع الحق والرشاد.
واسم الإِشارة فى قوله - سبحانه -: { ذَلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ... } يعود إلى ما نفاه - سبحانه - من خلقه للسموات والأرض وما بينهما على سبيل اللهو والعبث.
أى: نحن ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا خلقا مشتملا على الحكم الباهرة.. ولكن الذين كفرواهم الذين يظنون ويعتقدون أننا خلقنا هذه الكائنات من أجل الباطل واللهو واللعب.. وسبب هذا الظن والاعتقاد الفاسد منهم، كفرُهم بالحق، وجحودُهم ليوم القيامة وما فيه من حساب وثواب وعقاب، وإعراضهم عما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم من هدايات وإرشادات.
وقوله - تعالى -: { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ } بيان للعاقبة السيئة التى حلت بهم بسبب هذا الظن الفاسد.. فالفاء: للتفريع على ظنهم الباطل والويل: الهلاك والدمار.
و { من } ابتدائية أو بيانية أو تعليلية.
أى: القول بأن خلق هذا الكون خال من الحكمة، هو ظن واعتقاد الذين كفروا وحدهم، وما دام هذا مظنونهم ومعتقدهم فهلاك لهم كائن من النار التى نسلطها عليهم فتحرق أجسادهم، وتجعلهم يذوقون العذاب المهين.
وقال - سبحانه - { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ... } بالإِظهار فى مقام الإِضمار، للإِشعار بعلية صلة الموصول للحكم أى: أن هذا الويل والهلاك كائن لهم بسبب كفرهم.
وقال - سبحانه -: { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } ولم يقل للذين ظنوا للإِشارة إلى أن ظنهم القبيح هذا، ما هو إلا نتيجة كفرهم وجحودهم للحق.
ثم بين - سبحانه - أن حكمته قد اقتضت استحالة المساواة بين الأخيار والفجار، فقال - تعالى -: { أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَٱلْمُفْسِدِينَ فِي ٱلأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ }.
و "أم" فى الآية الكريمة منقطعة بمعنى بل الإِضرابية، والهمزة للاستفهام الإِنكارى.
والإضراب هنا انتقالى من تقرير أن هذا الكون لم يخلقه الله - تعالى - عبثا إلى تقرير استحالة المساواة بين المؤمنين والكافرين.
والمعنى: وكما أننا لم نخلق هذا الكون عبثا، كذلك اقتضت حكمتنا وعدالتنا.. استحالة المساواة - أيضا - بين المتقين والفجار.
وذلك لأن المؤمنين المتقين، قد قدموا لنا فى دنياهم ما يرضينا، فكافأناهم على ذلك بما يرضيهم، ويسعدهم ويشرح صدورهم، ويجعلهم يوم القيامة خالدين فى جنات النعيم.
أما المفسدون الفجار، فقد قدموا فى دنياهم ما يغضبنا ويسخطنا عليهم، فجازيناهم على ذلك بما يستحقون من عذاب السعير.
وربك - أيها العاقل - "لا يضيع أجر من أحسن عملا"ولا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون".
فالمقصود بالآية الكريمة إعلان استحالة التسوية فى الآخرة بين المؤمنين والكافرين، لأن التسوية بينهما ظلم، وهو محال عليه - تعالى -، وما كان البعث والجزاء والثواب والعقاب يوم القيامة إلا ليجزى - سبحانه - الذين أساءوا بما عملوا، ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى،.
ومن الآيات التى تشبه فى معناها هذه الآية قوله - تعالى -:
{ أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَنْ نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } ثم مدح - سبحانه - القرآن الكريم الذى أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم وبين حكمة إنزاله، فقال: { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوۤاْ آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }.
وقوله: { كِتَابٌ } خبر لمبتدأ محذوف. والمقصود به القرآن الكريم.
أى: هذا كتاب { أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ } بقدرتنا ورحمتنا - أيها الرسول الكريم، ومن صفاته أنه { مُبَارَكٌ } أى: كثير الخيرات والبركات..
وجعلناه كذلك { لِّيَدَّبَّرُوۤاْ آيَاتِهِ } أى ليتفكروا فيما اشتملت عليه آياته من أحكام حكيمة، وآداب قويمة، وتوجيهات جامعة لما يسعدهم فى دنياهم وآخرتهم...
{ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } أى: وليتعظ أصحاب العقول السليمة بما جاء فيه من قصص وعبر عن السابقين، كما قال - سبحانه -:
{ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } ثم ذكر - سبحانه - جانبا من قصة سليمان - عليه السلام - فمدحه لكثرة رجوعه إلى الله، وذكر بعض النعم التى منحها إياه، كما ذكر اختباره له. وكيف أن سليمان - عليه السلام - طلب من ربه المغفرة والملك، فأعطاه - سبحانه - ما طلبه. قال - تعالى -:
{ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ ٱلْعَبْدُ... }.