خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ
٧
رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَـلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٨
وَقِهِمُ ٱلسَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
٩
-غافر

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

والمراد بالذين يحملون العرش: عدد من الملائكة المقربين إلى الله - تعالى - ولا يعلم عددهم أحد سوى الله - تعالى - لأنه لم يرد نص صحيح فى تحديد عددهم.
والمراد بمن حوله: عدد آخر من الملائكة يطوفون بالعرش مهللين مسبحين مكبرين لله - تعالى - كما قال - تعالى -:
{ وَتَرَى ٱلْمَلاَئِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ ٱلْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ... } وعرش الله - تعالى - كما قال الراغب مما لا يعلمه البشر إلا بالاسم، فعلينا أن نؤمن بان لله - تعالى - عرشا عظيما، أما كيفيته وهيئته فنفوض معرفتها إلى الخالق - عز وجل -.
وقد ذكر هذا اللفظ فى القرآن الكريم فى إحدى وعشرين آية.
والاسم الموصول فى قوله - تعالى -: { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ } مبتدأ. وخبره قوله { يُسَبِّحُونَ... }.
والجملة الكريمة مستأنفة ومسوقة لتسلية النبى صلى الله عليه وسلم ببيان أن هؤلاء الملائكة الذين هم أقرب الملائكة إلى الله - تعالى - يضمون إلى تسبيحهم لذاته - سبحانه -، الاستغفار للمؤمنين، والدعاء لهم.
وقد ذكر كثير من المفسرين كلاما طويلا فى صفة هؤلاء الملائكة وفى صفة العرش. رأينا أن نضرب عنه صفحا لضعفه وقلة فائدته.
أى: الملائكة الكرام المقربون إلينا، والحاملون لعرشنا، والحافون به، من صفاتهم أنهم { يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } أى: ينزهون الله - تعالى - عن كل نقص، ويلهجون بحمده وبالثناء عليه بما يليق به.
{ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ } - تعالى - إيمانا تاما لا يشوبه ما يتنافى مع هذا الإِيمان والإذعان لله الواحد القهار.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما فائدة قوله - تعالى - : { وَيُؤْمِنُونَ بِهِ } ولا يخفى أن حملة العرش ومن حوله مؤمنون؟
قلت: فائدته إظهار شرف الإِيمان وفضله، والترغيب فيه، كما وصف الأنبياء فى غير موضع من كتابه بالصلاح كذلك، كما عقب أعمال الخير بقوله - تعالى -:
{ ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } فأبان بذلك فضل الإِيمان.
ويستغفرون للذين آمنوا، أى: أنهم بجانب تسبيحهم وحمدهم لربهم، وإيمانهم به، يتضرعون إليه - سبحانه - أن يغفر للذين آمنوا ذنوبهم.
وفى هذا الاستغفار منهم للمؤمنين، إشعار بمحبتهم لهم، وعنايتهم بشأنهم، لأنهم مثلهم فى الإِيمان بوحدانية - الله تعالى - وفى وجوب إخلاص العبادة والطاعة له.
ثم حكى - سبحانه - كيفية استغفارهم للمؤمنين فقال: { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً }.
والجملة الكريمة على تقدير قول محذوف، وهذا القول فى محل نصب على الحال من فاعل { وَيَسْتَغْفِرُونَ } وقوله { رَّحْمَةً وَعِلْماً } منصوبان على التمييز.
أى: إنهم يستغفرون للذين آمنوا، حالة كونهم قائلين: يا ربنا يا من وسعت رحمتك ووسع علمك كل شئ، تقبل دعاءنا.
{ فَٱغْفِرْ } بمقتضى سعة رحمتك وعلمك { لِلَّذِينَ تَابُواْ } إليك توبة صادقة نصوحا { وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ } الحق، وصراطك المستقيم.
{ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } أى: وصنهم يا ربنا واحفظهم من الوقوع فى جهنم لأن عذابها كرب عظيم.
يا { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْن } أى: وادخلهم جناتك دخولا دائما لا انقطاع معه. يقال: عدَن فلان بالمكان يعِدنُ عَدْناً، إذا لزمه وأقام فيه دون أن يبرحه، ومنه سمى الشئ المخزون فى باطن الأرض بالمعدن، لأنه مستقر بداخلها.
{ ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ } فضلا منك وكرما.
وأدخل معهم { وَمَن صَـلَحَ } لدخولها بسبب إيمانهم وعملهم الطيب { مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ } يا مولانا { ٱلْعَزِيزُ } أى: الغالب لكل شئ { ٱلْحَكِيمُ } فى كل تصرفاتك وأفعالك.
فالمراد بالصلاح فى قوله - تعالى -: { وَمَن صَـلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ }: من كان منهم مؤمنا بالله، وعمل عملا صالحا، ودعوا لهم بذلك. ليتم سرورهم وفرحهم إذ وجود الآباء والأزواج والذرية مع الإِنسان فى الجنة، يزيد سروره وانشراحه.
{ وَقِهِمُ } يا ربنا { ٱلسَّيِّئَاتِ } أى: احفظهم يا ربنا من ارتكاب الأعمال السيئات، ومن العقوبات التى تترتب على ذلك، بأن تتجاوز عن خطاياهم.
{ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ } أى: فى يوم القيامة الذى تجازى فيه كل نفس بما كسبت { فَقَدْ رَحِمْتَهُ } أى: فقد رحمته برحمتك الواسعة من كل سوء.
{ وَذَلِكَ } الذى تقدم من رحمتهم ومن إدخالهم الجنة، ومن وقايتهم السوء.
{ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } الذى لا يضارعه فوز، والظفر الكبير الذى لا يقاربه ظفر، والأمل الذى لا مطمع وراءه لطامع.
وبذلك نرى هذه الآيات الكريمة، قد أخبرتنا أن الملائكة المقربين يدعون للمؤمنين بما يسعدهم فى دنياهم وآخرتهم.
وكعادة القرآن الكريم فى قرن الترغيب بالترهيب أو العكس: جاء الحديث بعد ذلك عن الكافرين. مبينا انقطاعهم عن كل من يشفع لهم، أو يدعو لهم بخير - كما دعا الملائكة للمؤمنين - فقال - تعالى -:
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ... }.