خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَٰلَهُمْ
١
وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ
٢
ذَلِكَ بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْبَاطِلَ وَأَنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ
٣
-محمد

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

افتتحت سورة القتال بهذا الذم الشديد للكافرين، وبهذا الثناء العظيم على المؤمنين.
افتتحت بقوله - سبحانه -:{ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ }.
وقوله: { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ }.. مبتدأ، خبره قوله - سبحانه - { أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ }.
والمراد بهم كفار قريش، الذين أعرضوا عن الحق وحرضوا غيرهم على الإِعراض عنه.
فقوله: { صَدُّواْ } من الصد بمعنى المنع، والمفعول محذوف.
وقوله: { أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } أى: أبطلها وأحبطها وجعلها ضائعة ذاهبة لا أثر لها ولا وجود، والمراد بهذه الأعمال: ما كانوا يعملونه فى الدنيا من عمل حسن، كإِكرام الضيف، وبرد الوالدين، ومساعدة المحتاج. أى: الذين كفروا بالله - تعالى - وبكل ما يجب الإِيمان به، ومنعوا غيرهم من اتباع الدين الحق الذى أمر الله - تعالى - باتباعه { أَضَلَّ } - سبحانه - أعمالهم، بأن جعلها ذاهبة ضائعة غير مقبولة عنده. كما قال - تعالى -:
{ { وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } }. قال صاحب الكشاف: { أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } أى: أبطلها وأحبطها: وحقيقته، جعلها ضالة ضائعة ليس لها من يتقبلها ويثيب عليها، كالضالة من الإِبل، التى هى مضيعة لا رب لها يحفظها ويعتنى بأمرها، أو جعلها ضالة فى كفرهم ومعاصيهم، ومغلوبة بها، كما يضل الماء اللبن. وأعمالهم ما كانوا يعملونه فى كفرهم بما يسمونه مكارم: من صلة الأرحام، وفك الأسرى.
وقيل: أبطل ما عملوه من الكيد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصد عن سبيل الله، بأن نصره عليهم وأظهر دينه على الدين كله.
ثم بين - سبحانه - بعد ذلك ما أعده للمؤمنين من ثواب فقال: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ } الأعمال { ٱلصَّالِحَاتِ } التى توافر فيها الإِخلاص والاتباع لهدى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقوله: { وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ } من باب عطف الخاص على العام، فقد أفرده بالذكر مع أنه داخل فى الإِيمان والعمل الصالح، للإِشارة إلى أنه شرط فى صحة الإِيمان، وللإِشعار بسمو مكانة هذا المنزل عليه - صلى الله عليه وسلم - وبعلو قدره.
وقوله: { وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ } جملة معترضة، لتأكيد حقية هذا المنزل على النبى - صلى الله عليه وسلم - وتقرير كماله وصدقه. أى: وهذا المنزل على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو الحق الكائن من عند الله - تعالى - رب العالمين، لا من عند أحد سواه.
وقوله: { كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } خبر الموصول، أى: والذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحة، محا عنهم - سبحانه - ما عملوه من أعمال سيئة، ولم يعاقبهم عليها، فضلا منه وكرما.
فقوله: { كَفَّرَ } من الكَفْرِ بمعنى الستر والتغطية، يقال: كفر الزارع زرعه إذا غطاه، وستره حماية له مما يضره. والمراد به هنا: المحو والإِزالة على سبيل المجاز.
وقوله: { وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } معطوف على ما قبله. أى: محا عنهم بسبب إيمانهم وعملهم الصالح، ما اقترفوه من سيئات، كما قال - تعالى -:
{ { إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ } ولم يكتف - سبحانه - بذلك، بل وأصلح أحوالهم وأمورهم وشئونهم، بأن وفقهم للتوبة الصادقة فى الدنيا، وبأن منحهم الثواب الجزيل فى الآخرة.
فالمراد بالبال هنا: الحال والأمر والشأن.
قال القرطبى: والبال كالمصدر، ولا يعرف منه فعل، ولا تجمعه العرب إلا فى ضرورة الشعر، فيقولون فيه بالات..
وهذه الجملة الكريمة وهى قوله: { وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } نعمة عظمى لا يحس بها إلا من وهبه الله - تعالى - إياها، فإن خزائن الأرض لا تنفع صاحبها إذا كان مشتت القلب، ممزق النفس، مضطرب المشاعر والأحوال. أما الذى ينفعه فهو راحة البان. وطمأنينة النفس، ورضا القلب، والشعور بالأمان والسلام.
والإِشارة فى قوله: { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْبَاطِلَ.. } تعود إلى ما مر من ذم الكافرين، ومدح المؤمنين.
أى: ذلك الذين حكمنا به من ضلال أعمال الكافرين، ومن إصلاح بال المؤمنين، سببه أن الذين كفروا اتبعوا فى دنياهم الطريق الباطل الذى لا خير فيه ولا فلاح. وأن الذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحاة فى دنياهم، اتبعوا طريق الحق الكائن من ربهم.
فالمراد بالباطل هنا. الكفر وما يتبعه من أعمال قبيحة، والمراد بالحق: الإِيمان والعمل الصالح.
وقوله { ذَلِكَ } مبتدأ، وخبره ما بعده.
وقوله: { كَذَلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ } أى: مثل ذلك البيان الرائع الحكيم، يبين الله - تعالى -: للناس أحوال الفريقين، وأوصافهما الجارية فى الغرابة مجرى الأمثال، وهى اتباعُ المؤمنين الحقَّ وفوزُهم، واتباعُ الكافرين الباطلَ وخسرانُهم.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: أين ضرب الأمثال؟ قلت: فى جعل اتباع الباطل مثلا لعمل الكفار، واتباع الحق مثلا لعمل المؤمنين، أو فى أن جعل الإِضلال مثلا لخيبة الكفار، وتكفير السيئات مثلا لفوز المؤمنين".
ثم أرشد الله - تعالى -: المؤمنين إلى ما يجب عليهم فعله عند لقائهم لأعدائهم، وبعد انتصارهم عليهم، كما بين لهم الحكمة من مشروعية القتال. والجزاء الحسن الذى أعده للمجاهدين، فقال - تعالى -: { فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ... عَرَّفَهَا لَهُمْ }.