خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ
١٤٥
-الأعراف

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

ثم فصل - سبحانه - بعض النعم التى منحها لنبيه موسى وقال: { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ }.
والمراد بالألواح كما قال ابن عباس - ألواح التوراة، واختلف فى عددها فقيل: سبعة ألواح وقيل عشرة ألواح وقيل أكثر من ذلك. كما اختلف فى شأنها فقيل كانت من سدر الجنة، وقيل كانت من زبرجد أو زمرد ... إلخ.
والذى نراه تفويض معرفة ذلك إلى الله - تعالى - لأنه لم يرد نص صحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى عددها أو كيفيتها.
والمعنى: وكتبنا لموسى - عليه السلام - فى ألواح التوراة من كل شىء يحتاجون إليه من الحلال والحرام، والمحاسن والقبائح. ليكون ذلك موعظة لهم من شأنها أن تؤثر فى قلوبهم ترغيباً وترهيباً. كما كتبنا له فى تلك الألواح تفصيل كل شىء يتعلق بأمر هذه الرسالة الموسوية.
وإسناد الكتابة إليه - تعالى - إما على معنى أن ذلك كان بقدرته - تعالى - وصنعه ولا كسب لأحد فيه، وإما على معنى أنها كتبها بأمره ووحيه سواء كان الكاتب لها موسى أو ملك من ملائكته - عز وجل -.
قال صاحب المنار: "قال بعض المفسرين: إن الألواح كانت مشتملة على التوراة: وقال بعضهم بل كانت قبل التوراة. والراجح أنها كانت أول ما أوتيه من وحى التشريع فكانت أصل التوراة الإِجمالى، وكانت سائر الأحكام من العبادات والمعاملات الحربية والمدنية والعقوبات تنزل يخاطبه بها الله - تعالى - فى أوقات الحاجة إليها".
وقوله { مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ } بدل من قوله { مِن كُلِّ شَيْءٍ } باعتبار محله وهو النصب لأن من مزيدة كما يرى كثير من النحاة. أى: كتبنا له فيها كل شىء من المواعظ وتفصيل الأحكام.
والضمير فى قوله - تعالى - { فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ } يعود إلى الألواح. والفاء عاطفة لمحذوف على كتبنا، والمحذوف هو لفظ قلنا وقوله { بِقُوَّةٍ } حال من فاعل خذها أى: كتبنا له فى الألواح من كل شىء، وقلنا له خذها بقوة أى بجد وحزم، وصبر وجلد، لأنه - عليه السلام - قد أرسل إلى قوم طال عليهم الأمد وهم فى الذل والاستعباد، فإذا لم يكن المتولى لإِرشادهم وإلى ما فيه هدايتهم ذا قوة وصبر ويقين، فإنه قد يعجز عن تربيتهم. ويفشل فى تنفيذ أمر الله فيهم.
قال الجمل: وقوله - تعالى - { وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا } أى التوراة ومعنى بأحسنها بحسنها إذ كل ما فيها حسن، أو أمروا فيها بالخير ونهوا عن الشر، وفعل الخير أحسن من ترك الشر، وذلك لأن الكلمة المحتملة لمعنيين أو لمعان تحمل على أشبه محتملاتها بالحق وأقربها إلى الصواب. أو أن فيها حسناً وأحسن كالقود والعفو، والانتصار والصبر، والمأمور به والمباح فأمروا بأن يأخذوا بما هو أكثر ثوابا.
وقوله - تعالى - { سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ } توكيد لأمر القوم بالأخذ بالأحسن وبعث عليه على نهج الوعيد والتهديد.
أى: سأريكم عاقبة من خالف أمرى، وخرج عن طاعتى، كيف يصير إلى الهلاك والدمار، فتلك سنتى التى لا تتغير ولا تتبدل.
قال ابن كثير: وإنما قال { سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ } كما يقول القائل لمن يخاطبه: سأريك غداً ما يصير إليه حال من خالفنى على وجه التهديد والوعيد لمن عصاه وخالف أمره.
وقيل المراد بدار الفاسقين دار فرعون وقومه وهى مصر، كيف أقفرت منهم ودمروا لفسقهم لتعتبروا فلا تفسقوا مثل فسقهم فيصيبكم ما أصابهم.
وقيل المراد بها منازل عاد وثمود والأقوام الذين هلكوا بسبب كفرهم.
وقيل المراد بها أرض الشام التى كان يسكنها الجبارون. فإنهم لم يدخلوها إلا بعد أربعين سنة من خروجهم من مصر على يد يوشع بن نون.
والذى نراه أن الرأى الأول أرجح، لأن الآية الكريمة تحكى سنة من سنن الله فى خلقه، وهذه السنة تتمثل فى أن كل دار تفسق عن أمر ربها تكون عاقبتها الذل والدمار، ولأنه لم يرد حديث صحيح يعين المراد بدار الفاسقين.
فالآية الكريمة قد اشتملت على جانب من مظاهر نعم الله على نبيه موسى - عليه السلام - كما اشتملت على الأمر الصريح منه - سبحانه - له بأن يهيىء نفسه لحمل تكاليف الرسالة بعزم وصبر، وأن يأمر قومه بأن يأخذوا بأكملها وأعلاها بدون ترخيص أو تحايل، لأنهم قوم كانت طبيعتهم رخوة وعزيمتهم ضعيفة، ونفوسهم منحرفة. كما اشتملت على التحذير الشديد لكل من يخرج عن طاعة الله وينتهك حرماته.
ثم بين - سبحانه - عاقبة من يتكبرون فى الأرض بغير الحق فقال - تعالى -: { سَأَصْرِفُ عَنْ... }.