خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
٦٠
-التوبة

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

قال الإِمام ابن كثير. لما ذكر الله - تعالى - اعتراض المنافقين الجهلة على النبى - صلى الله عليه وسلم - ولمزهم إياه فى قسم الصدقات. بين - سبحانه - أنه هو الذى قسمها، وبين حكمها، وتولى أمرها بنفسه، ولم يكل قسمها إلى أحد غيره فجزأها لهؤلاء المذكورين، كما رواه أبو داود فى سنته "عن زياد بن الحارث الصدائى قال. أتيت النبى - صلى الله عليه وسلم - فبايعته. فأتى رجل فقال. أعطنى من الصدقة فقال له. إن الله لم يرض بحكم نبى ولا غيره. فى الصدقات حتى حكم فيها هو، فجزأها ثمانية أصناف، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك" .
والمراد بالصدقات هنا - عند كثير من العلماء - الزكاة المفروضة.
ولفظ الصدقات. مبتدأ. والخبر محذوف، والتقدير: إنما الصدقات مصروفة للفقراء والمساكين.. إلخ.
والفقراء. جمع فقير، وهو من له أدنى شئ من المال. أو هو من لا يملك المال الذى يقوم بحاجاته الضرورية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن.
يقال فقر الرجل - من باب تعب - إذا قل ماله.
قالوا: وأصل الفقير فى اللغة: الشخص الذى كسر فقار ظهره، ثم استعمل فيمن قل ماله لانكساره بسبب احتياجه إلى غيره.
أو هو من الفقرة بمعنى الحفرة، ثم استعمل فيما ذكر لكونه أدنى حالا من أكثر الناس، كما أن الحفرة أدنى من مستوى سطح الأرض المستوية.
والمساكين: جمع مسكين، وهو من لا شئ له، فيحتاج إلى سؤال الناس لسد حاجاته ومطالب حياته.
وهو مأخوذ من السكون الذى هو ضد الحركة، لأن احتياجه إلى غيره أسكنه وأذله.
وقيل: المسكين هو الذى له مال أو كسب ولكنه لا يكفيه، وعلى هذا يكون قريب الشبه بالفقير.
وقوله: { وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } بيان للصنف الثالث من الأصناف الذين تجب لهم الزكاة.
والمراد بهم. من كلفهم الإِمام بجمع الزكاة وتحصيلها ممن يملكون نصابها.
ويدخل فيهم العريف، والحاسب، والكاتب، وحافظ المال، وكل من كلفه الإِمام أو نائبه بعمل يتعلق بجمع الزكاة او حفظها، أو توزيعها.
وقوله. { وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ } بيان للصنف الرابع.
والمراد بهم الأشخاص الذين يرى الإِمام دفع شئ من الزكاة إليهم تأليفاً لقلوبهم، واستمالة لنفوسهم نحو الإِسلام، لكف شرهم، أو لرجاء نفعهم، وهم أنواع:
منهم قوم من الكفار، كصفوان بن أمية، فقد أعطاء النبى - صلى الله عليه وسلم - من غنائم حنين، وكان صفوان يومئذ كافراً، ثم أسلم وقال: والله لقد أعطانى النبى - صلى الله عليه وسلم - وكان أبغض الناس إلى، فما زال يعطينى. حتى أسلمت وإنه لأحب الناس إلى.
ومنهم قوم كانوا حديثى عهد بالإِسلام وكانوا من ذوى الشرف فى أقوامهم فكان النبى - صلى الله عليه وسلم - يعطيهم، ليثبت إيمانهم، وليدخل معهم فى الإِسلام أتباعهم.
ومن أمثلة ذلك ما فعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن، والزبرقان بن بدر، فقد أعطاهم - صلى الله عليه وسلم - لمكانتهم فى عشيرتهم، ولشرفهم فى أقوامهم. وليدخل معهم فى الإِسلام غيرهم.
ومنهم قوم كانوا ضعاف الإيمان، فكان - صلى الله عليه وسلم - يعطيهم تأليفاً لقلوبهم، وتقوية لإِيمانهم لكى لا يسرى ضعف إيمانهم إلى غيرهم.
ومن أمثلة هذا الصنف العباس من مرداس السلمى، فقد أعطاه النبى - صلى الله عليه وسلم - تأليفاً لقلبه، وتثبيتاً لإِيمانه.
والخلاصة أن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان يتألف قلوب بعض الناس بالعطاء، دفعاً لشرهم، أو أملا فى نفعهم، أو رجاء هدايتهم.
وقوله: { وَفِي ٱلرِّقَابِ } بيان لنوع خامس من مصارف الزكاة. وفى الكلام مجاز بالحذف، والتقدير: وتصرف الصدقات أيضا فى فك الرقاب بأن يعان المكاتبون بشئ منها علىأداء بدل الكتابة؛ لكن يصيروا أحراراً. أو بأن يشترى بجزء منها عدداً من العبيد لكى يعتقوا من الرق.
وذلك لأن الإِسلام يحبب أتباعه فى عتق الرقاب، وفى مساعدة الأرقاء على أن يصيروا أحراراً.
وقوله: { وَٱلْغَارِمِينَ } من الغرم بمعنى الملازمة للشئ ومنه قوله. تعالى:
{ { إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } أى: عذاب جهنم كان ملازماً لأهلها من الكافرين.
والمراد بالغارمين: من لزمتهم الديون فى غير معصية لله، ولا يجدون المال الذى يدفعونه لدائنيهم، فيعطون من الزكاة ما يعينهم على سداد ديونهم.
وقوله: { وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } بيان لنوع سابع من مصارف الزكاة.
والسبيل: الطريق الذى فيه سهولة، وجمعه سبل. وأضيف إلى الله تعالى للإِشارة إلى أنه هو السبيل الحق الذى لا يحوم حوله باطل، وهو الذى يوصل السائر فيه إلى مرضاة الله ومثوبته.
أى: وتصرف الصدقات فى سبيل الله، يدفع جزء منها لمساعدة المجاهدين والغزاة والفقراء الذين خرجوا لإِعلاء كلمة الله.
قال بعض العلماء ما ملخصه: قال أبو حنيفة ومالك والشافعى. يصرف سهم سبيل الله المذكور فى الآية الكريمة إلى الغزاة.. لأن المفهوم فى الاستعمال المتبادر إلى الأفهام أن سبيل الله هو الغزو، وأكثر ما جاء فى القرآن الكريم كذلك.
وقال الإِمام أحمد: يجوز صرف سبيل الله إلى مريد الحج.
وقال بعضهم: يجوز صرف سبيل الله إلى طلبة العلم.
وفسره بعضهم بجميع القربات. فيدخل فيه جميع وجوه الخير، مثل تكفين الموتى، وبناء القناطر، والحصون، وعمارة المساجد { وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } عام فى الكل..
وقوله: { وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } بيان للصنف الثامن والأخير من الأصناف الذين هم مصارف الزكاة.
والمراد بابن السبيل: المسافر المنقطع عن ماله فى سفره. ولو كان غنياً فى بلده، فيعطى من الزكاة ما يساعده على بلوغ موطنه.
وقد اشترط العلماء لابن السبيل الذى يعطى من الصدقة، أن يكون سفره فى غير معصية الله. فإن كان فى معصية لم يعط: لأن إعطاءه يعتبر إعانة له على المعصية، وهذا لا يجوز.
وقد ألحقوا بابن السبيل، كل من غاب من ماله، ولو كان فى بلده.
وقوله. فريضة من الله، منصوب بفعل مقدر أى: فرض الله لهم هذه الصدقات فريضة، فلا يصح لكم أن تبخلوا بها عنهم، أو تتكاسلوا فى إعطائها لمستحقيها.
فالجملة الكريمة زجر للمخاطبين عن مخالفة أحكامه. سبحانه.
وقوله: { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } تذييل قصد به بيان الحكمة من فرضية الزكاة.
أى: والله - تعالى - عليم بأحوال عباده، ولا تخفى عليه خافية من تصرفاتهم، حكيم فى كل أوامره ونواهيه، فعليكم. أيها المؤمنون. أن تأتمروا بأوامره، وأن تنتهوا عن نواهيه لتنالوا رضاه.
هذا، من الأحكام والآداب التى أخذها العلماء من هذه الآية ما يأتى:
1- أن المراد بالصدقات هنا ما يتناول الزكاة المفروضة وغيرها من الصدقات المندوبة، وذلك لأن اللفظ عام فيشمل كل صدقة سواء أكانت واجبة أم مندوبة، ولأن لفظ الصدقة فى عرف الشرع وفى صدر الإِسلام، كان يشمل الزكاة المفروضة، والصدقة المندوبة، ويؤيده قوله - تعالى -:
{ { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } }. ومن العلماء من يرى أن المراد بالصدقات فى الآية: الزكاة المفروضة، لأن (أل) فى الصدقات للعهد الذكرى والمعهود هو الصدقات الواجبة التى أشار إليها القرآن. بقوله قبيل هذه الآية. { { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ } ولأن الصدقات المندوبة يجوز صرفها فى غير الأصناف الثمانية كبناء المساجد والمدارس.
ويبدو لنا أن لفظ الصدقات فى الآية عام بحيث يتناول كل صدقة، إلا أن الزكاة المفروضة تدخل فيه دخولا أوليا.
2- قال بعض العلماء: ظاهر الآية يقضى بالقسمة بين الثمانية الأصناف، ويؤيد هذا وجهان.
الأول. ما يقتضيه اللفظ اللغوى، إن قلنا. الواو للجمع والتشريك.
والثانى: ما رواه أبو داود فى سنته من قوله - صلى الله عليه وسلم -
"إن الله لم يرض بحكم نبى ولا غيره فى الصدقات، حتى حكم فيها، فجزأها ثمانية أجزاء" .
وقد ذهب إلى هذا الشافعى وعكرمة والزهرى، إلا إن استغنى أحدهما فتدفع إلى الآخرين بلا خلاف.
وذهبت طوائف إلى جواز الصرف فى صنف واحد. منهم عمر وابن عباس وعطاء وابن جبير ومالك وأبو حنيفة.
قال فى التهذيب: وخرجوا عن الظاهر فى دلالة الآية المذكورة والخبر بوجوه:
الأول: أن الله - تعالى - قال فى سورة البقرة:
{ { وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } فدل على أن ذكر العدد هنا لبيان جنس من يستحقها.
الثانى: الخبر، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ:
"أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة فى أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد فى فقرائهم" .
الثالث: حديث سلمة بن صخر. فإنه - صلى الله عليه وسلم - جعل له صدقة بنى زريق.
الرابع: أنه لم يظهر فى ذلك خلاف من جهة الصحابة فجرى كالمجمع عليه.
3- يرى جمهور العلماء أن الفقراء والمساكين صنفان من مصارف الزكاة لأن الله. - تعالى - قد ذكر كل صنف منهما على حدة، إلا أنهم اختلفوا فى أيهما أسوأ حالا من الآخر. فالشافعية يرون أن الفقير أسوأ حالا من المسكين.
ومن أدلتهم على ذلك، أن الله. تعالى. بدأت فى الآية بالفقراء، وهذا البدء، يشير إلى أنهم أشد حاجة من غيرهم، لأن الظاهر تقديم الأهم على المهم.
ولأن لفظ الفقير أصله فى اللغة المفقور الذى نزعت فقرة من فقار ظهره: فلا يستطيع التكسب، ومعلوم أنه لا حال فى الاقلال والبؤس آكد من هذه الحال.
ولأن الله. تعالى. وصف بالمسكنة من كانت له سفينة من سفن البحر فقال:
{ { أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ } }. أما الأحناف والمالكية فيرون أن المسكين أسوأ حالا من الفقير.
ومن أدلتهم على ذلك: أن علماء اللغة عرفوا المسكين بأنه أسوأ حالا من الفقير، وإلى هذا ذهب يعقوب بن السكيت، والقتبى، ويونس بن حبيب.
ولأن الله - تعالى - وصف المسكين وصفاً يدل على البؤس والفاقة فقال:
{ { أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ } أى: مسكيناً ذا حاجة شديدة، حتى لكأنه قد لصق بالتراب من شدة الفاقة، ولم يصف الفقير بذلك..
قال بعض العلماء: وأنت إذا تأملت أدلة الطرفين وجدت أنها متعارضة ومحل نظر، وأياما كان فقد اتفق الرأيان على أن الفقراء والمساكين صنفان.
وروى عن أبى يوسف ومحمد أنهما صنف واحد واختاره الجبائى، ويكون العطف بينهما لاختلاف المفهوم. وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا أوصى لفلان وللفقراء والمساكين؛ فمن قال إنهما صنف واحد جعل لفلان نصف الموصى به، ومن قال إنهما صنفان جعل له الثلث من ذلك.
4- ظاهر الآية يدل على أن الزكاة يجوز دفعها لكل من يشمله اسم الفقير والمسكين، إلا أن هذا الظاهر غير مراد؛ لأن الأحاديث الصحيحة قد قيدت هذا الإِطلاق.
قال القرطبى: اعلم أن قوله - تعالى -: { لِلْفُقَرَآءِ } مطلق ليس فيه شرط وتقييد، بل فيه دلالة على جواز الصرف إلى جملة الفقراء، سواء أكانوا من بنى هاشم أو من غيرهم، إلا أن السنة وردت باعتبار شروط، منها: ألا يكونوا من بنى هاشم، وألا يكونوا ممن تلزم المتصدق نفقته، وهذا لا خلاف فيه.
وشرط ثالث ألا يكن قوياً على الاكتساب؛ لأنه - سبحانه - قال:
"لا تحل الصدقة لغنى، ولا لذى مرة سوى" .
ولا خلاف بين علماء المسلمين فى أن الصدقة المفروضة لا تحل للنبى - صلى الله عليه وسلم - ولا لبنى هاشم ولا لمواليهم..
وكذلك لا يصح أن تعطى لغير المسلمين، ففى الصحيحين عن ابن عباس - رضى الله عنهما -
"أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم" فاقتضى ذلك أن الصدقة مقصورة على فقراء المسلمين.
إلا أنه نقل عن أبى حنيفة جواز دفع صدقة الفطر إلى الذمى.
5- أخذ بعض العلماء من قوله - تعالى { وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } أنه يجب على الإِمام أن يرسل من يراه أهلا لجمع الزكاة ممن تجب عليهم.
وقد تأكد هذا الوجوب بفعل النبى - صلى الله عليه وسلم - فقد ثبت فى أحاديث متعددة أنه أرسل بعض الصحابة لجمع الزكاة.
روى البخارى عن أبى حميد الساعدى قال: استعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا على صدقات بنى سليم يدعى ابن اللتبية، فلما جاء حاسبه.
6- أخذ بعض العلماء - أيضاً - من قوله - تعالى - { وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ } أن حكمهم باق، لأنهم قد ذكروا من بين مصارف الزكاة، ولأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أعطاهم، فيعطون عند الحاجة.
قال الإِمام القرطبى ما ملخصه: واختلف العلماء فى بقاء المؤلفة قلوبهم.
فقال عمر والحسن والشعبى وغيرهم: انقطع هذا الصنف بعز الإِسلام وظهوره.
وهذا مشهور من مذهب مالك وأصحاب الرأى.
قال بعض علماء الحنفية. لما أعز الله الإِسلام وأهله، أجمع الصحابة فى خلافة أبى بكر على سقوط سهمهم.
وقال جماعة من العلماء: هم باقون لأن الإِمام ربما احتاج أن يستألف على الإِسلام وإنما قطعهم عمر لما رأى من إعزاز الدين.
وقال ابن العربى. الذى عندى أنه إن قوى الإِسلام زالوا، وإن احتيج إليهم أعطوا سهمهم كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيهم، فإن فى الصحيح
"بدأ الإِسلام غريباً وسيعود كما بدأ" .
والذى يبدو لنا أن ما قاله ابن العربى أقرب الأقوال إلى الصواب لأن مسألة إعطاء المؤلفة قلوبهم تختلف باختلاف الأحوال؛ فإن كان الإِمام يرى أن من مصلحة الإِسلام إعطاءهم، أعطاهم، وإن كانت المصحلة فى غير ذلك لم يعطهم.
7- دلت الآية الكريمة على أن الزكاة ركن من أركان الاسلام، لقوله تعالى { فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ }.
قال بعض العلماء ما ملخصه، تلك هى فريضة الزكاة. ليست أمر الرسول وإنما هى أمر الله وفريضته وقسمته وما الرسول فيها إلا منفذ للفريضة المقسومة من رب العالمين.
وهذه الزكاة تؤخذ من الأغنياء على أنها فريضة من الله، وترد على الفقراء على أنها فريضة من الله، وهى محصورة فى طوائف من الناس عينهم القرآن وليست متروكة لاختيار أحد حتى ولا اختيار الرسول نفسه.
وبذلك تأخذ الزكاة مكانها فى شريعة، ومكانها فى النظام الإِسلامي، لا تطوعاً ولا تفضلا ممن فرضت عليهم، فهى فريضة محتمة، ولا منحة ولا جزافا من القاسم الموزع فهى فريضة معلومة. إنها إحدى فرائض الإِسلام تجمعها الدولة المسلمة بنظام معين لتؤدى بها خدمة اجتماعية محددة. وهى. ليست إحساناً من المعطى، وليست شحاذة من الآخذ، كلا فما قام النظام الاجتماعى فى الإِسلام على التسول ولن يقوم.
إن قوم الحياة فى النظام الإِسلامى هو العمل - بكل صنوفه وألوانه - على الدولة المسلمة أن توفر العمل لكل قادر عليه.
والزكاة ضريبة تكافل اجتماعى بين القادرين والعاجزين، تنظمها الدولة وتتولاها فى الجمع والتوزيع، متى قام المجمع على أساس الإِسلام الصحيح، منفذاً شريعة الله لا يبتغى له شرعاً ولا منهجاً سواه.
إن فريضة الزكاة تؤدى فى صورة عبادة إسلامية، ليطهر الله بها القلوب من الشح، وليجعلها شرعة تراحم وتضامن بين أفراد الأمة المسلمة.
إنها فريضة من الله، الذى يعلم ما يصلح لهذه البشرية، ويدير أمرها بالحكمة { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }.
وبعد هذا الحديث عن الصدقات التى كان المنافقون يلمزون الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيها، أخذت السورة فى مواصلة حديثها عن رذائل المنافقين، وعن سوء أدبهم.. فقال تعالى -: { وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ... }.