خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ
١٢
-الحجر

خواطر محمد متولي الشعراوي

و "سلك الشيء" أي: أدخله، كما نُدخِل الخيط في ثقب الإبرة.
والحق سبحانه يقول:
{ { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ } [المدثر: 42-43].
أي: ما أدخلكم في النار؛ فتأتي إجابتهم:
{ { لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ } [المدثر: 43].
وهنا يقول الحق سبحانه:
{ كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ } [الحجر: 12].
أي: كما سلكنا الكفر والتكذيب والاستهزاء في قلوب شيع الأولين، كذلك نُدخِله في قلوب المجرمين.
يعني: مشركي مكّة، لأنهم أدخلوا أنفسهم في دائرة الشرك التي دعتهم إلى هذا الفعل، فنالوا جزاءَ ما فعلوا مثل ما سبق من أقوام مثلهم؛ وقد يجد من تلك القلوب تصديقاً يكذبونه بألسنتهم، مثلما قال الحق سبحانه:
{ { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ .. } [النمل: 14].
فهم أمة بلاغة ولغةٍ وبيانٍ؛ وقد أثّر فيهم القرآن بحلاوته وطلاوته؛ ولكنه العناد، وها هو واحد منهم يقول:
"إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لَمُثمِر، وإن أسفله لمغدق".
لقد قال ذلك كافر بالرسول والرسالة.
ونعلم أن الذين استمعوا إلى القرآن نوعان؛ والحق سبحانه هو القائل عن أحدهما:
{ { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ } [محمد: 16].
أي: أن قوله لا يعجبهم وما يتلوه عليهم لا يستحق السماع، فقال الحق سبحانه رداً عليهم:
{ { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى .. } [فصلت: 44].
وهي مسألة - كما أقول دائماً - تتعلق بالقابل الذي يستقبل الحدث؛ إما أنْ يُصفِّي قلبه ليستقبل القرآن؛ وإما أنْ يكون قلبه - والعياذ بالله - مُمْتلِئاً بالكفر، فلا يستقبل شيئاً من كتاب الحق.
وقد حدث أن أدخل الحق سبحانه كتبه السماوية في قلوب الأقوام السابقة على رسول الله، ولكنهم لفساد ضمائرهم وظُلْمة عقولهم؛ سَخِروا من تلك الكتب، ولم يؤمنوا بها.
ويَصِف الحق سبحانه هؤلاء المجرمين بقوله:
{ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ ... }.