خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلآئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ
٢٨
-الحجر

خواطر محمد متولي الشعراوي

وعرفنا في مواقع متفرقة من خواطرنا كيف نفهم هذه الآية. ونعلم أن البشر في زماننا حين يريدون صُنْع تمثال ما، فَهُم يَخْلِطون التراب بالماء ليصير طيناً؛ ثم يتركونه إلى أنْ يختمرَ، ويصيرَ كالصَّلْصَال، ومن بعد ذلك يُشكل المَثَّالُ ملامح مَنْ يُريد أن يصنع له تمثالاً.
والتماثيل تكون على هيئة واحدة، ولا قدرةَ لها، عَكْس الإنسان المخلوق بيد الله، والذي يملك بفعل النفْخ فيه من روح الله ماَ لاَ يملكه أيُّ كائن صنعتْه مهارة الإنسان؛ ذلك أن إعجازَ وطلاقةَ قدرةِ الخالق لا يمكن أن تستوي مع قدرة المخلوق المحدودة.
وهناك حديث يقول فيه صلى الله عليه وسلم:
"خلق الله عز وجل آدم على صورته، ستون ذراعاً" .
واختلف العلماء في مرجع الضمير في هذا الحديث؛ أيعود إلى صورة آدم؟ أم يعود إلى آدم؟
فمن العلماء من قال: إن الضمير يعود إلى آدم؛ بمعنى أن الله لم يخلقه طفلاً، ثم كبر؛ بل خلقه على الصورة الناضجة؛ وتلفَّت آدم فوجد نفسه على تلك الصورة الناضجة؛ وأنه لم يكُنْ موجوداً من قبل ذلك بساعة؛ لذلك تلفَّت إلى المُوجِد له.
والذين قالوا: إن الحق سبحانه خلق الإنسان على صورته، وأن الضمير يعود إلى الله؛ فذلك لأن الحق قد جعل الإنسان خليفة له في الأرض؛ وأعطاه من قدرته قدرةً؛ ومن عِلْمه علماً؛ ومن حكمته حكمة، ومن قاهريته قهراً.
ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم:
"تخلقوا بأخلاق الله" .
فخلق آدم داخلٌ في كينونته. يقول الحق: { { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [آل عمران: 59].
وأمام الكينونة ينتفي التعليل، ولم يبق إلا الإيمان بالخالق.
ويقول سبحانه من بعد ذلك:
{ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ ... }.