خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ ٱلضَّآلُّونَ
٥٦
-الحجر

خواطر محمد متولي الشعراوي

وهنا يعلن إبراهيم - عليه السلام - أنه لم يقنط من رحمة ربه؛ ولكنه التعجب من طلاقة التعجب من طلاقة القدرة التي توحي بالوحدانية القادرة، لا لذات وقوع الحَدث؛ ولكن لكيفية الوقوع، ففي كيفية الوقوع إعجاب فيه تأمل، ذلك أن إبراهيم - عليه السلام - يعلم عِلْم اليقين طلاقة قدرة الله؛ فقد سبق أن قال له: { { أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ } [البقرة: 260].
ولنلحظ أنه لم يسأله "أتحيي الموتى"، بل كان سؤاله عن الكيفية التي يُحْيى بها الله المَوْتى؛ ولذلك يسأله الحق سبحانه:
{ { أَوَلَمْ تُؤْمِن .. } [البقرة: 260].
وكان رَدّ إبراهيم - عليه السلام -:
{ { بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي .. } [البقرة: 260].
وحدثتْ تجربة عندما أُمر إبراهيم بأن يأخذ أربعة من الطير ثم يقطعهن ويلقي على كل جبل جزءاً، ثم يدعوهن فيأتينه سعياً، لذلك فلم يكُنْ إبراهيم قانطاً من رحمة ربه، بل كان متسائلاً عن الكيفية التي يُجرِي الله بها رحمته.
ولم تكن تلك المحادثة بين إبراهيم والملائكة فقط، بل اشتركت فيه زَوْجه سارة؛ إذ إن الحق سبحانه قد قال في سورة هود:
{ { يَٰوَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوۤاْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ رَحْمَةُ ٱللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ } [هود: 72-73].
وهكذا نجد أن القرآن يُكمِل بعضُه بعضاً؛ وكل لَقْطة تأتي في موقعها؛ وحين نجمع اللقطات تكتمل لنا القصة.
وهنا في سورة الحجر نجد سؤالاً من إبراهيم - عليه السلام - للملائكة التي حملتْ له بُشْرى الإنجاب عن المُهمَّة الأساسية لمجيئهم، الذي تسبَّب في أن يتوجَّس منهم خِيفةً؛ فقد نظر إليهم، وشعر أنهم قد جاءوا بأمر آخر غير البشارةَ بالغلام؛ لأن البشارةَ يكفي فيها مَلَكٌ واحد.
أما هؤلاء فهم كثيرون على تلك المُهِمة، فيقول سبحانه هذا السؤال الذي سأله إبراهيم - عليه السلام -:
{ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ ... }.