خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلـٰكِن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
٣٣
-النحل

خواطر محمد متولي الشعراوي

بعد أن عرضتْ الآيات جزاء المتقين الذين قالوا خيراً، عادتْ لهؤلاء الذين قالوا { أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } الذين يُصادمون الدعوة إلى الله، ويقفون منها موقف العداء والكَيْد والتربُّص والإيذاء.
وهذا استفهام من الحق تبارك وتعالى لهؤلاء: ماذا تنتظرون؟! بعدما فعلتم بأمر الدعوة وما صَدْدتُم الناس عنها، ماذا تنتظرون؟ أتنتظرون أنْ تَرَوْا بأعينكم، ليس أمامكم إلا أمران: سيَحُلاَّن بكم لا محالة:
إما أنْ تأتيكم الملائكة فتتوفاكم، أو يأتي أمرُ ربِّك، وهو يوم القيامة ولا ينجيكم منها إلا أنْ تؤمنوا، أم أنكم تنتظرون خيْراً؟! فلن يأتيكم خير أبداً .. كما قال تعالى في آيات أخرى:
{ { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ .. } [النحل: 1].
وقال:
{ { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ .. } [القمر: 1].
وقال:
{ { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ .. } [الأنبياء: 1].
إذن: إنما ينتظرون أحداثاً تأتي لهم بشَرٍّ: تأتيهم الملائكة لقبْض أرواحهم في حالة هم بها ظالمون لأنفسهم، ثم يُلْقون السَّلَم رَغْماً عنهم، أو: تأتيهم الطامة الكبرى وهي القيامة.
ثم يقول الحق سبحانه:
{ كَذَلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ .. } [النحل: 33].
أي: ممَّن كذَّب الرسل قبلهم .. يعني هذه مسألة معروفة عنهم من قبل:
{ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ .. } [النحل: 33].
أي: وما ظلمهم الله حين قدَّر أنْ يُجازيهم بكذا وكذا، وليس المراد هنا ظلمهم بالعذاب؛ لأن العذاب لم يحُلّ بهم بعد.
{ وَلـٰكِن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [النحل: 33].
وهذا ما نُسمِّيه بالظلم الأحمق؛ لأن ظلم الغير قد يعود على الظالم بنوع من النفع، أما ظُلْم النفس فلا يعود عليها بشيء؛ وذلك لأنهم أسرفوا على أنفسهم في الدنيا فيما يخالف منهج الله، وبذلك فَوَّتوا على أنفسهم نعيم الدنيا ونعيم الآخرة، وهذا هو ظلمهم لأنفسهم.
ثم يقول الحق سبحانه:
{ فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ ... }.