خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمِن ثَمَرَاتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
٦٧
-النحل

خواطر محمد متولي الشعراوي

ثمرات النخيل هي: البلح. والأعناب هو: العنب الذي نُسمّيه الكَرْم. والتعبير القرآني هنا وإن امتنَّ على عباده بالرزق الحسن، فإنه لا يمتنّ عليهم بأن يتخذوا من الأعناب سكراً: أي مُسْكِراً، ولكن يعطينا الحق سبحانه هنا عبرةً فقد نزلتْ هذه الآيات قبل تحريم الخمر.
وكأن الآية تحمل مُقدّمة لتحريم الخمر الذي يستحسنونه الآن ويمتدحونه؛ ولذلك يقول العلماء: إن الذي يقرأ هذه الآية بفِطنة المستقْبِل عن الله يعلم أن لله حُكْماً في السَّكر سيأتي.
كيف توصَّلوا إلى أن لله تعالى حُكْماً سيأتي في السَّكر؟
قالوا: لأنه قال في وصف الرزق بأنه حسن، في حين لم يَصِفْ السَّكر بأنه حسن، فمعنى ذلك أنه ليس حسناً؛ ذلك لأننا نأكل ثمرات النخيل (البلح) كما هو، وكذلك نأكل العنب مباشرة دون تدخُّل مِنّا فيما خلق الله لنا.
أما أنْ نُغيّر من طبيعته حتى يصير خمراً مُسْكراً، فهذا إفساد في الطبيعة التي اختارها الله لنا لتكون رزقاً حَسناً.
وكأنه سبحانه يُنبّه عباده، أنَا لا أمتنُّ عليكم بما حرَّمْتُ، فأنا لم أُحرِّمه بَعْد، فاجعلوا هذا السَّكر - كما ترونه - متعةً لكم، ولكن خذوا منه عبرة أَنِّي لم أَصِفْه بالحُسْن؛ لأنه إنْ لم يكُنْ حَسَناً فهو قبيح، فإذا ما جاء التحريم فقد نبهتكم من بداية الأمر.
ثم يقول تعالى:
{ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [النحل: 67].
لأن العقل يقتضي أنْ نُوازِنَ بين الشيئين، وأن نسأل: لماذا لم يوصف السَّكر بأنه حَسَن؟ .. أليس معناه أن الله تعالى لا يحب هذا الأمر ولا يرضاه لكم؟
إذن: كأن في الآية نِيّة التحريم، فإذا ما أنزل الله تحريم الخمر كان هذا تمهيداً له.
والآية هي: الأمر العجيب الذي يُنبئكم الله الذي خلق لكم هذه الأشياء لسلامة مبانيكم وقوالبكم المادية، قادر ومأمون على أن يُشرّع لكم ما يضمن سلامة معانيكم وقلوبكم القيمية الروحية.
ثم يقول الحق سبحانه:
{ وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ ... }.