خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً
٨٦
-الكهف

خواطر محمد متولي الشعراوي

وبلوغه مغرب الشمس دليل على أنه لم يكُنْ بهذا المكان، بل كان قادماً إليه من المشرق. ومعنى { مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ } هل الشمس تغرب؟
هي تغرب في عين الرائي في مكان واحد، فلو لاحظتَ الشمس ساعة الغروب لوجدتها تغربُ مثلاً في الجيزة، فإذا ذهبت إلى الجيزة وجدتها تغرب في مكان آخر وهكذا، إذن: غروبها بمعنى غيابها من مرأىَ عينك أنت؛ لأن الشمس لا تغيب أبداً، فهي دائماً شارقة غاربة، بمعنى أنها حين تغرب على قوم تشرق على آخرين؛ لذلك تتعدد المشارق والمغارب.
وهذه أعطتنا دوام ذكر الله ودورانه على الألسنة في كل الأوقات، فحين نصلي نحن الظهر مثلاً يصلي غيرنا العصر، ويصلي غيرهم المغرب، وهكذا فالحق سبحانه مذكور في كل وقت بكل وقت، فلا ينتهي الظهر لله، ولا ينتهي العصر لله، ولا ينتهي المغرب لله، بل لا ينتهي الإعلام بواحدة منها طوال الوقت، وعلى مَرِّ الزمن؛ لذلك يقول أهل المعرفة: يا زمن وفيك كل الزمن.
ثم يقول تعالى: { وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ .. } [الكهف: 86] أي: في عين فيها ماء. وقلنا: إن الحمأ المسنون هو الطين الذي اسودّ لكثرة وجوده في الماء. وفي تحقيق هذه المسألة قال عالم الهند أبو الكلام آزاد، ووافقه فضيلة المرحوم الشيخ عبد الجليل عيسى، قال: عند موضع يسمى (أزمير).
وقوله: { وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً .. } [الكهف: 86] أي: عند هذه العين { قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } [الكهف: 86] إذن: فهذا تفويض له من الله، ولا يُفوَّض إلا المأمون على التصرُّف { إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ .. } [الكهف: 86] ولا بُدّ أنهم كانوا كفرة أو وثنيين لا يؤمنون بإله، فإما أنْ تأخذهم بكفرهم، وإما أن تتخذَ فيهم حُسْناً.
لكن ما وجه الحُسْن الذي يريد الله أن يتخذه؟ يعني أنهم قد يكونون من أهل الغفلة الذين لم تصلهم الدعوة، فبيّن لهم وجه الصواب ودلّهم على دين الله، فَمنْ آمن منهم فأحسن إليه، ومَنْ أصرّ على كُفْره فعذّبه، إذن: عليك أن تأخذهم أولاً بالعِظَة الحسنة والبيان الواضح، ثم تحكم بعد ذلك على تصرفاتهم.
ثم يقول الحق سبحانه:
{ قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ ... }.