خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً
٣٠
-مريم

خواطر محمد متولي الشعراوي

وكأنه قال للقوم: لا تتكلموا أنتم، أنا الذي سأتكلم. ثم بادرهم بالكلام: { قَالَ إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ .. } [مريم: 30] وهكذا استهلّ عيسى عليه السلام كلامه بإظهار عبوديته لله تعالى، وفي هذا دليل على أنه قد يُقال فيه أنه ليس عبداً، وأنه إله أو شريك للإله.
لذلك كانت أول كلمة نطق بها { قَالَ إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ .. } [مريم: 30] فالمعجزة التي جاءتْ بي لا تمنع كَوْني عبداً لله؛ لذلك لو سألتَ الذين يعتقدون في عيسى عليه السلام أنه إله أو شريك للإله: إنكم تقولون أنه تكلّم في المهد، فماذا قال؟ فلا يعترفون بقوله أبداً؛ لأن قوله ونُطْقه: { إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ .. } [مريم: 30] ينفي معتقدهم من أساسه.
ليس هذا وفقط، بل: { آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ .. } [مريم: 30] لكن كيف آتاه الله الكتاب وهو ما يزال وليداً في مَهْده؟ قالوا: على اعتبار أنه أمرٌ مفروغ منه، وحادث لا شَكَّ فيه، كأنه يقول: أنا أَهْل لأنْ أتحملَ أمانةَ السماء إلى أهل الأرض. مع أن الكتاب لم يأتِ بعد، إلا أنه مُلقَّن لقَّنه ربه الكتاب بالفعل، وإنْ لم يأت الوقت الذي يُبلِّغ فيه هذا الكتاب.
{ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً } [مريم: 30] فسلوكي سلوك قويم، ولا يمكن أن يكون فيَّ مطعَنٌ بعد ذلك، وإنْ كان هناك مطعن فهو بعيد عني، ولا ذنبَ لي فيه.
ثم يقول:
{ وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ ... }.