خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَآءَنِي مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَٱتَّبِعْنِيۤ أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً
٤٣
-مريم

خواطر محمد متولي الشعراوي

يُكرِّر نبي الله إبراهيم هذا النداء الحنون مرة أخرى، وكأنه يريد أنْ يثير في أبيه غريزة الحنان، ويُوقِظ عنده أواصر الرحم، كأنه يقول له: إن كلامي معك كلام الابن لأبيه، كما نفعل نحن الآن إنْ أراد أحدنا أنْ يُحنّن إليه قلب أبيه يقول: يا والدي كذا وكذا.. يا أبي اسمع لي. وكذلك حال إبراهيم - عليه السلام - حيث نادى أباه هذا النداء في هذه الآيات أربع مرات متتاليات، وما ذلك إلا لحرصه على هدايته، والأخْذ بيده إلى الطريق المستقيم.
وقوله: { إِنِّي قَدْ جَآءَنِي مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ .. } [مريم: 43] أي: لا تظن يا أبي أنِّي متعالم عليك، أو أَنِّي أفضل، أو أذكى منك، فهذا الكلام ليس من عندي، بل من أعلى مني ومنك، فلا غضاضةَ في سماعه والانصياع له، وهو رسالة كُلِّفْتُ بإبلاغك إياها، وهذا الذي جاءني من العلم لم يأتِكَ أنت، وهذا اعتذار رقيق من خليل الله، فالمسألة ليستْ ذاتية بين ولد وعمه، أو ولد وأبيه، إنها مسألة عامة تعدَّتْ حدود الأُبُوة والعمومة.
ولذلك لما تحدَّثْنا في سورة الكهف عن قصة موسى والخضر - عليهما السلام -، قلنا: إن العبد الصالح التمس لموسى عُذْراً؛ لأنه تصرَّف بناءً على علم عنده، ليس عند موسى مثله، فقال له:
{ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً } [الكهف: 68] وكذلك قال إبراهيم لأبيه حتى لا تأخذه العِزّة، ويأنف من الاستماع لولده.
ثم يقول: { فَٱتَّبِعْنِيۤ أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً } [مريم: 43] لأن هذا المنهج الذي أدعوك إليه ليس من عندي، بل من أعلى مني ومنك، والصراط السَّويّ: هو الطريق المستقيم الذي يُوصِّلك للغاية بأيسر مشقة، وفي أقصر وقت.
ثم يقول:
{ يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَانَ ... }.