خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وِزْراً
١٠٠
-طه

خواطر محمد متولي الشعراوي

أعرض: نعرف أن الطول أبعد المسافات، وأن العرض أقصر المسافات؛ لذلك لما أراد الحق سبحانه أن يُصوِّر لنا اتساع مُلْكه سبحانه قال: { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ .. } [آل عمران: 133] فأتى بالأوسع للأقل، فإن كان عَرْضها السماوات والأرض، فما بالك بطولها؟ لا بُدَّ أنه لا نهاية له.
والإنسان مِنّا له طول، وله عرض، ولا يميز العرض إلا الكتفان، ودائماً مرآهما من الخلف، لا من الأمام؛ لذلك نجد الخياط إذا أراد أنْ يقيس لك الثوب قاسه من الخلف، فعَرْض الإنسان مؤخرته من أعلى.
وبذلك يكون أعرض عن كذا، يعني: تركه وذهب بعيداً عنه، أو: أعطاه ظهره وانصرف عنه.
ومن ذلك ما نقوله (اديني عرض كتافك) يعني: در وجهك وانصرف عني، فإنْ كان جالساً نقول (انقُضْ طولك أو اطول) أي: قم وأَرِني طولك، كي تريني عرض أكتافك وتنصرف عني.
والحق - سبحانه وتعالى - يعطينا صورة من الإعراض للذين يكنزون الذهب والفضة، ولا ينفقونها في سبيل الله، فيقول:
{ يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ } [التوبة: 35].
وهكذا ترى ترتيب العذاب حسْب ترتيب الإعراض، فأول ما واجهه السائل قَطَّب جبهته، وكشَّر وبدَتْ عليه ملامح الغضب والضيق، ثم أدار له جنبه، ثم أعطاه ظهره وانصرف عنه.
والوِزْر: الحِمْل الثقيل، وليْتَه في الدنيا فيمكنك أن تتخلص منه، إما بأنْ يُوضع عنك، وإما أنْ تفوته بالموت، إنما الوِزْر هنا في الآخرة؛ لذلك فهو وزر ثقيل لا ينحط عنك ولا تفوته بالموت، فهو حِمْل لا نهايةَ له ولا أملَ في الخلاص منه. فهو ثقيل ممتد الإيلام، فقد يكون الحمل ثقيلاً إلا أنه مُحبَّب إلى النفس، كمَنْ يحمل شيئاً نافعاً له، أمّا هنا فحِمْل ثقيل مكروه.
وبعد ذلك يستدرك به على العقوبة، فالذي يأثم يُقال: أتى وزراً.
{ خَالِدِينَ فِيهِ وَسَآءَ ... }.