خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً
١٠٣
-طه

خواطر محمد متولي الشعراوي

أي: في هذه الحال التي يُحشرون فيها زرقاً { يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ .. } [طه: 103] أي: يُسِرُّون الكلام، ويهمس بعضهم إلى بعض، لا يجرؤ أحد منهم أنْ يجهر بصوته من هَوْل ما يرى، والخائف حينما يلاقي من عدوه مَا لا قِبلَ له به يُخفِي صوته حتى لا يُنبهه إلى مكانه؛ أو: لأن الأمر مَهوُل لدرجة الهلع الذي لا يجد معه طاقة للكلام، فليس في وُسْعه أكثر من الهَمْس.
فما وجه التخافت؟ وبِمَ يتخافتون؟
يُسِرُّ بعضهم إلى بعض { إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً } [طه: 103] يقول بعضهم لبعض: ما لبثنا في الدنيا إلا عشرة أيام، ثم يُوضِّح القرآن بعد ذلك أن العشرة هذه كلامهم السطحي، بدليل قوله في الآية بعدها:
{ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً } [طه: 104].
فانتهت العشرة إلى يوم واحد، ثم ينتهي اليوم إلى ساعة في قوله تعالى حكاية عنهم:
{ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ .. } [الروم: 55] فكُلُّ ما ينتهي فهو قصير.
إذن: أقوال متباينة تميل إلى التقليل؛ كأن الدنيا على سَعة عمرها ما هي إلا ساعة:
{ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ .. } [الأحقاف: 35].
وما هذا التقليل لمدة لُبْثهم في الدنيا إلا لإفلاسهم وقِلَّة الخير الذي قدَّموه فيها، لقد غفلوا فيها، فخرجوا منها بلا ثمرة؛ لذلك يلتمسون لأنفسهم عُذْراً في انخفاض الظرف الزمني الذي يسَع الأحداث، كأنه لم يكُنْ لديهم وقت لعمل الخير؟؟
ثم يقول الحق سبحانه:
{ نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ... }.