خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى
١٢
-طه

خواطر محمد متولي الشعراوي

فساعة أنْ كلَّمه ربه: { إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ .. } [طه: 12] أزال ما في نفسه من العجب والدهشة لما رآه وسمعه، وعلم أنها من الله تعالى فاطمأنَّ واستبشر أنْ يرى عجائب أخرى؟
ونلحظ في قوله تعالى: { إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ .. } [طه: 12] أن الحق - تبارك وتعالى - حينما يتحدَّث عن ذاته تعالى يتحدث بضمير المفرد { إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ .. } [طه: 12] وحينما يتحدث عن فِعْله يتحدث بصيغة الجمع، كما في قوله عز وجل:
{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } [القدر: 1] { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ .. } [الحجر: 9] { إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا .. } [مريم: 40].
فلماذا تكلَّم عن الفعل بصيغة الجمع، في حين يدعونا إلى توحيده وعدم الإشراك به؟ قالوا: الكلام عن ذاته تعالى لا بُدَّ فيه من التوحيد، كما في:
{ إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ فَٱعْبُدْنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ } [طه: 14].
لكن في الفعل يتكلم بصيغة الجمع؛ لأن الفعل يحتاج إلى صفات متعددة وإمكانات شتَّى، يحتاج إلى إرادة تريده، وقدرة على تنفيذه وإمكانات وعلم وحكمة.
إذن: كل صفات الحق تتكاتف في الفعل؛ لذلك جاء الحديث عنه بصيغة الجمع، ويقولون في النون في قوله:
{ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ .. } [الحجر: 9] { نَرِثُ ٱلأَرْضَ .. } [مريم: 40] أنها: نون التعظيم.
وقد جاء الخطاب لموسى بلفظ الربوبية { إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ .. } [طه: 12] لإيناس موسى؛ لأن الربوبية عطاء، فخطابه (بربك) أي الذي يتولّى رعايتك وتربيتك، وقد خلقك من عَدَم، وأمدك من عُدم، ولم يقُلْ: إني أنا الله؛ لأن الألوهية مطلوبها تكليف وعبادة وتقييد للحركة بافعل كذا ولا تفعل كذا.
وقوله تعالى: { إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ .. } [طه: 12] أي: ربك أنت بالذات لا الرب المطلق؛ لأن الرسل مختلفون عن الخَلْقِ جميعاً، فلهم تربية مخصوصة، كما قال تعالى:
{ وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ } [طه: 39] وقال: { وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي } [طه: 41].
إذن: فالحق تبارك وتعالى يُربِّي الرسل تربيةً تناسب المهمة التي سيقومون بها.
وقوله تعالى: { فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ .. } [طه: 12] هذا أول أمر، وخَلْعِ النعل للتواضع وإظهار المهابة؛ ولأن المكان مُقدَّس والعلة { إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى } [طه: 12] فاخلع نعليك حتى لا تفصل جسمك عن تربة هذا المكان المقدس الطاهر، ولا تجعل نَعْليك يحولان بينك وبين مباشرة ذرات هذا التراب.
ومن ذلك ما نراه في مدينة رسول الله من أناس يمشون بها حافيي الأقدام، يقول أحدهم: لَعلِّي أصادف بقدمي موضع قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: { طُوًى } [طه: 12] اسم الوادي وهذا كلام عام جاء تحديده في موضع آخر، فقال سبحانه:
{ فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي ٱلأَيْمَنِ فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ .. } [القصص: 30].
والبعض يرى في الآية تكراراً، وليست الآية كذلك، إنما هو تأسيس لكلام جديد يُوضِّح ويُحدِّد مكان الوادي المقدس طوى أين هو، فإنْ قلتَ: أين طوى؟ يقول لك: في الواد الأيمن، لكن الواد الأيمن نفسه طويل، فأين منه هذا المكان؟ يقول لك: عند البقعة المباركة من الشجرة.
إذن: فالآية الثانية تحدد لك المكان، كما تقول أنت: أسكن في حي كذا، وفي شارع كذا، في رقم كذا.
ثم يقول الحق سبحانه:
{ وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ فَٱسْتَمِعْ ... }.